يا مادح الحقد محتالا له شبها – ابن الرومي
يا مادحَ الحقدِ محتالاً له شَبهاً ** لقد سلكتَ إليه مسلكاً وَعِثا
لن يَقْلِبَ العيب زَيْناً من يُزَيِّنُهُ ** حتى يَرُدَّ كبيراً عاتياً حدثا
قد أبرم اللّه أسبابَ الأمورِ معاً ** فلن ترى سبباً منْهنَّ منتكثا
يا دافنَ الحقد في ضِعْفَيْ جوانِحِهِ ** ساء الدفينُ الذي أمستْ له جدثا
الحقدُ داءٌ دويٌّ لا دواءَ لهُ ** يَرِي الصُّدورَ إذا ما جمره حُرثا
فاسْتَشْفِ منهُ بصفحٍ أو معاتبةٍ ** فإنما يبرأ المصدورُ ما نفثا
واجعلْ طلابَك للأَوتار ما عَظُمَت ** ولا تكن لصغير الأمر مكترثا
والعَفْوُ أقربُ للتقوى وإن جُرُمٌ ** من مجرمٍ جَرَحَ الأكبادَ أو فَرَثا
يكفيك في العفو أن اللّه قرَّظهُ ** وَحْياً إلى خير من صلَّى ومن بُعِثَا
شهدتُ أنكَ لو أذنبت ساءكَ أن ** تلقى أخاك حقوداً صدرُهُ شَرِثَا
إذَنْ وسرَّكَ أن ينسى الذنوبَ معاً ** وأن تصادفَ منه جانباً دَمِثا
فكيف تمدح أمراً كنتَ تكرهُهُ ** فَكِّرْ هُديتَ تُمَيِّزْ كلَّ ما اغتلثا
وليس يخفَى من الأشياء أقربُها ** إلى السداد إذا ما باحثٌ بحثا
فارجع إلى الحقِّ من قُربٍ ومن أمَمٍ ** وَلاَ تَمَنَّ مُنَى طفلٍ إذا مرثا
فمن تثاقل عن حقٍّ فبادَرَهُ ** إليه خَصْمٌ سَفَى في وجهه وَحَثا
والفلْجُ للحقِّ والمُدْلي بحجَّتِهِ ** إذا الخصيم هناكم للخصيم جَثَا
إني إذا خلط الإخوانُ صالحَهم ** بِسَيِّئِ الفعلِ جِدّاً كان أو عبثا
جعلتُ صدري كظرف السَّبْك حينئذٍ ** يَسْتخلصُ الفضَّةَ البيضاء لا الخبثا
ولست أجْعَله كالحوض أمدحُهُ ** بحفظ ما طابَ من ماء وما خَبَثا
ولا أزيِّنُ عيبي كي أسوِّغَهُ ** نفسي ولا أنطق البهتانَ والرَّفثا
تَغْبيبُ ذي العيب عَنْهُ كيْ تُزيِّنَهُ ** حِنْثٌ وإنْ هو لم يحلفْ فقد حنثا
والعيبُ عيبان فيمن لا يقبِّحُهُ ** فإن تجاهلَ عَيْبَيْهِ فقد ثَلَثَا
لا تجمعنَّ إلى عيبٍ تُعاب به ** عَيبَ الخداع فلن تزداد طيبَ نَثَا
كم زخرفَ القولَ من زورٍ وَلبَّسَهُ ** على العقول ولكنْ قلَّما لَبِثَا
إن القبيحَ وإن صنَّعْتَ ظاهرَهُ ** يعودُ ما لُمَّ منه مرةً شَعِثَا