حلقـةَ بحث الفرق بين التاريخ الصحيح والمزيّف 2024.

الفرق بين التاريخ الصحيح والمزيّف
مسألة: المهم في فلسفة التاريخ أن يجد الإنسان الروح العامّة للتاريخ الواقعي لا التاريخ المزيّف، فإنّ التاريخ المزيّف عبارة عن سفسطة، ومجموعة أكاذيب، لا تمتُّ إلى الواقع بصلة.
والتاريخ المزيّف هو الذي وصفه الإنسان بالعموم والخصوص، أو التباين، أو من وجه لأجل إدخال فلسفة زمانية، أو مكانية، أو شرائطية،فإن مثل هذه الفلسفة بالإضافة إلى أنها أمر غير واقعي، لا ينفع في المستقبل بل يسبب تحريف المستقبل.
مثلاً: قال الطبيب: الرمّان له خاصية دفع الصفراء، فاستنتج أن كثرة تناول الرمّان لأمّة من الأمم هو السبب في صحّة أجسامهم. فالحكم التاريخي رتّب على موضوع أكل الرمّان، فيأتي الفلسفي المزيّف ليقول إنّ المراد بالرمّان هو البرتقال بقرينة كذا، أو الأعم من الرمّان والبرتقال، أو الأخصّ الذي هو رمّان الطائف ممّا لا نواة له، لا كل رمّان أو الرمّان في الصيف لا الرّمان في الخريف والشتاء، وغير ذلك، أو الأعم من وجه، والأخصّ من وجه، كالرمّان الحلّو لا كلّ رمّان، والرمّان الأعمّ من الرمّان والبرتقال، فهو أخصّ من ناحية، وأعمّ من ناحية، إنّه بهذا العمل لا يفلسف التاريخ بل يفلسف زعمه، ويبني عليه الحكم المستقبلي.
ومن الواضح أنّ فلسفة الصحّة الجسدية لأولئك الذين كانوا يأكلون الرمّان مترتّبة على الرمّان بما هو رمّان لا الشيء الخاصّ ولا العام ولا المباين ولا الذي بينه وبين الرمّان عموم من وجه، كما أنّ الأكل كان يراد به الأكل بالمعنى المصطلح، لا أن يفسّر الأكل بالتزريق أو التقطير في الأنف أو العين أو الأذن.
لقد كان هذا ـ العدول عن الفلسفة الحقيقية التي جاء بها الشرع، والتمسك بأنماط من الفلسفة المزيفة ـ هو بعينه سبب سقوط المسلمين بعد تلك الحكومة الطويلـة العريضة القويّة، حتّى صاروا تبعاً لغيرهم بل صاروا أذلّة لا حول لهم ولا قوّة، وليس لهم حال، ولا مستقبل بل هم كلّ يوم في انحطاط أكثر وأكثر في كلّ مناحي الحياة(131).
إنّ (حلال محمّد حلالٌ إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)(132)؛ كما في الحديث، و ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ))(133)؛ كما جاء به القرآن الحكيم وبيّنه الرسول الأعظم وآله الطاهرون (ع)، فإنّ ذلك هو الذي جعل المسلمين: ((وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ))(134)؛ حسب التعبير القرآني، أو (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)(135)؛ حسب تعبير نبي الإسلام (ص)، لا الفلسفات المزيّفة التي جعلها الحكّام أصحاب الأهواء إسلامهم، وحكموا الناس بالحديد والنّار، والدعايات المسمومة.
وهناك ألف مثال ومثال ممّا ادّعاه الحكّام إسلاماً، وهولا يمت إلى الإسلام بصلـة، نذكـر منهـا بعض المـوارد المعدودة التي يعايشها المسلم في كلّ بلاد الإسلام، من غير فرق بين عربهم وعجمهم.
أمثلة وشواهد
مثلاً: قالوا الخمر المحرّمة هي المسكر، أمّا إذا أخذ سكر الخمر كانت حلالاً. وإنّ الخمر إنّما كانت محّرمة، إذا لم يتوقّف الاقتصاد الوطني عليها، فإذا توقّف الاقتصاد الوطني عليها، كانت حلالاً؛ كما قال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق ـ مصدّق (136) ـ في قبال السيّد الكاشاني(137) (رحمه الله). أو قالوا: إنّ الزنا المحرّم هو ما كان مضرّاً أو بالاغتصاب لا ما كان بالرضى، وليس خطراً بسبب احتمال تفشي الأمراض الزهرية وغيرها. وقالوا: إنّ الإسلام إنّما حرّم الضرائب؛ لعدم وجود الحاجة في ذلك اليوم ما عدا الضرائب الأربع ـ الخمس، والزكاة، والجزيّة، والخراج، أمّا إذا احتاجت الدولة إلى الضرائب، كحالنا، لتعقّد الأمور، والاحتياجات الكثيرة، فليست الضرائب محرّمة حتّى إذا وصلت إلى أكثر من 90 %.
وقالوا: إنّ التعذيب المحرّم في الإسلام إنّما هو التعذيب الذي يراد به الاعتباط لا التعذيب الذي يراد به أخذ الاعترافات من فئات، أو أفراد محترفين، أو إنّ السجن الاعتباطي حلال في هذا الحال مثل سجن القاتل.
وقالوا: إنّ الإعدام إنّما جعله الشارع في موارد محدودة جدّاً؛ لأنّ الناس في ذلك اليوم كانوا بسطاء، أمّا في هذا اليوم؛ فيجب أن نزيد على موارد الإعدام الشرعية؛ لتعقّد الحياة، كما فعله العراق أيّام الشيوعيين، والقوميين، والبعثيين حتّى أوصلوا أنواع الإعدام إلى 200 نوع(138).
وقالوا: إنّ الحدود الجغرافية ضرورية لحماية الدولة من الاعتداءات الخارجية ومن فرق التهريب، وفي السابق لم تكن هذه الأمور موجودة، أمّا اليوم حيث هذا الاحتمال قائم، فمن الضروري أن نحدّ الحدود الجغرافية حول أراضي البلاد، صغيرةً كانت أو كبيرةً.
وقالوا: إنّ الحرّيات الإسلامية التي جعلها الله سبحانه وتعالى: ((وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ))(139)، وبينها الرسول الأكرم (ص) بقوله: (الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم)(140) بزيادة مستفادة من ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ))(141)، إنّما كانت حيث لا احتياج للدولة للمال، ولا لتكثير الموظّفين، ولا، ولا.. أمّا في هذا اليوم فكلّ هذه الاحتياجات قائمة، ولهذا نحتاج إلى كبت الحرّيات وتحديدها.
وقالوا: إنّ الأخوة الإسلامية كانت إذا لم يكن العصر حديثاً، أمّا إذا صار العصر الحديث فلا عمل بآية: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ))(142) .
وقالوا: إنّ الزواج بالأربعة إنّما كانت حيث النساء الكثيرات؛ بسبب حصاد الحروب للرجال، أمّا في هذا اليوم؛ فلا يحقّ للرجل إلاّ الزوجة الواحدة، ثمّ من الضروري أن يستأذن الزوج من الزوجة الأولى إذا أراد أن يتزوّج زوجة ثانية؛ لأجل زيادة النسل، أو ما أشبه ذلك.
وقالوا: إنّ حرمة الاستمناء إنّما كان في السابق نتيجة عدم وجود الدواء لضعف الأعصاب، حيث يسبّب ضعف الأعصاب، أمّا اليوم؛ فحيث توجد الأدوية لضعف الأعصاب؛ فلا حرمة للاستمناء.
وقالوا: إن الاستبداد إنّما يكون محرَّماً كما قال الإمام علي (ع): (من استبدّ برأيه هلك)(143)، وغير ذلك من الروايات، والآيات، حيث قال الله سبحانه وتعالى: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ))(144)، و ((شَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ))(145)؛ لأجل أنّه لم يكن بالإمكان تسيير الحكومة إلاّ بالشورى، أمّا اليوم؛ فلمّا أصبح بالإمكان الاستغناء عن المشورة بالأجهزة المتطورة، فلا حاجة لنا إلى الشورى، فإنّ مصلحة النظام هي المقدّمة على كلّ حكم، فإذا تعارضت مصلحة النظام مع محرّم أو واجب وحتّى مع التوحيد، أمكن تقديم المصلحة على الأحكام الإسلامية بل والعقائد الإسلامية كما قال بكل ذلك جماعة من الطغاة.
أقول: نعم لا إشكال في التوسيعات الشرعية مثل الخمر حرام حيث يوسّع إلى كلّ مسكر حسب الدليل، والتضييقات الشرعية مثل تقيّد الأحكام بلا ضرر حيث قاله الشارع، وذلك ما يعيّنه شورى الفقهاء المتعاونين مع أهل الخبرة والاختصاص، الذين نسميهم بالأحزاب الحرّة، أو الأفراد المستقلّين، وكم هو الفرق بين الأمرين؟ فالتوسيعات الشرعية، أو التضييقات الشرعية، إنما تكون مع استنباط شورى الفقهاء ذلك التضييق أو التوسيع في الحكم حسب الأدلّة الأربعة المشهورة: الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل، وقد فصلنا هذا البحث في موضع آخر.
رأي وتعليق
وقد قرأت في أكثر من كتاب تمسك بعض المسلمين بأقوال مونتسكيو(146)، أو فولتير، والتي هي بمنأى عن الإسلام، وسننقل بعض المقاطع من أحدهما مع شرحه لها.
يقول الكاتب: مونتسكيو يحدّد العوامل التي تشكّل قوانين الدولة، وشكل الحكومة، وشخصيـة الأمّـة، فيرجعها إلى عوامل إمّا مادّية طبيعية، أو معنوية اجتماعية. ومن العوامل الطبيعية، عامل الجغرافية، التي يوليها مونتسكيو اهتماماً خاصاً إلى حدّ أن اعتبرها أغلب الباحثين أهمّ ما يميّز مؤلّفه، الذي يتكوّن من ستّة أجزاء في 31 باباً، فمن نتائج بحثه: يختلف الناس في مختلف الأقاليم تبعاً لعوامل المناخ، وطبيعة الأرض، والموقع، ونوع الأراضي، ذلك أنّ للمناخ أثراً على كلّ أجزاء الجسم الإنساني وما به من عصارات، وإفرازات، ومن ثمّ يتشكّل مزاج الإنسان، وأخلاقه، وعاداته، وطباعه، فحيوية الناس في المناطق الباردة غيرها في المناطق الحارّة. وقد ترتب على ذلك كثير من الأنظمة الاجتماعية، ذات الطابع الخاصّ في المناطق الحارّة، كتعدّد الزوجات، وتحريم الخمر، وإنجاب النساء، كذلك يتأثّر به نظام الأمّة؛ إذ العبودية طابع المناطق الحارّة، ومن ثمّ سادها النظام الاستبدادي في الحكم، كذلك يختلف مفهوم الحرّية في الأنظمة الاقتصادية، كالضرائب، وأنظمة الحرب في هذه المجتمعات، وفقاً لشكل الحكم فيها، وهذا بدوره قد شكّلته العوامل الجغرافية؛ إنّ حالة القحط قد أدّت بالتّتار إلى الاندفاع نحو الحروب، والتعطّش للدماء، والتدمير، بينما تميل الأقضية العربية إلى الحرّية؛ وإن عانت من القحط أيضاً.
وأضاف هذا الكاتب: أمّا العوامل المعنوية والاجتماعية؛ التي تشكّل بدورها قوانين الدولة، ونظام الحكومة، فأهمّها المزايا الاقتصادية، وأمور الدين.
أمّا حول المسائل الاقتصادية؛ فيعرض مونتسكيو أنظمة التجارة، والضرائب في بعض المجتمعات القديمة، خصوصاً الدولة الرومانية، وعوامل تطوّرها، وأثر القوانين الوضعية في النقد، وحركة التجارة، وانعكاس ذلك على عدد السكّان، وحركتهم، ونموهم، وثقافتهم، أو تخلخلهم. فإنّ القوانين الوضعية، وإن كانت تعكس رغبة المشرّع، والحكومة القائمة، فإنّها بدورها لابدّ أن تتأثّر بالقوانين الطبيعية.
أمّا الدين؛ فيرى مونتسكيو أنّ الإسلام أكثر ملاءمة لشعوب الشرق، بينما المسيحية تناسب الأوروبيين؛ لأسباب جغرافية من جهة، ولأسباب تتعلّق بشكل الحكومة من جهة أخرى، وهو إذ يفصل القول في الجوانب الاجتماعية في الدين، والأعياد، فإنّه يحمل حملة شعواء على الاضطهاد الديني، ومحاكم التفتيش.
خلاصة القول: لقد درس مونتسكيو بإسهاب مستخدماً المنهج التاريخي، والمنهج المقارن،كيف يتحدّد نظام الحكم بالعوامل الجغرافية، والمادّية، والاجتماعية، أو الثقافية. وهو وإن أولى العوامل الجغرافية اهتماماً خاصاً في بيان أثرها بشكل المجتمع، فإنّه أشار إلى أنّ العوامل الجغرافية إن ساد تأثيرها على العوامل الثقافية، والاجتماعية، فإنّ هذا يعني جمود المجتمع، وضعف مقدرته على التطوّر؛ نظراً لثبات العامل الجغرافي إن أُضِيفَ إلى العامل الثقافي.
أقول: وأنت ترى أنّ هذه الكلمات ليست إلاّ تضخيماً من جانب، وتصغيراً من جانب آخر، ولم يقم أي دليل على ما ذكره مونتسكيو، أو الكاتب، ولكن لو كان الأمر كذلك، كانت الدول الأوربية في الزمان السابق المتعدّدة اللغات، والأديان، والاقتصاديات، والمناخات، لم تتمكّن أن توحّد جهودها في دولة أوربية برفع الحدود الجغرافية عنها بعملة موحدة وبرلمان مشترك و… وكذلك بالنسبة إلى الدول الأمريكية التي اتّحدت فصارت دولة واحدة(147)، إلى غير ذلك من التناقض، والإشكالات التي لسنا بصدد ذكرها، وهي أكثر من أن تحدّد في واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، أو عشرة، أو عشرين، أو حتّى مائة.

سلمت .. ودام ابداعك
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

يسآـموَ ميسوٍ ع آلـمرورَ

وَدي ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

يسلمووو الاياادي سكران

حلقـةَ بحث الفرق بين التاريخ الصحيح والمزيّف
يسلمو خيو
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

يسآـموَ إميرةَ نورتيَ ..

وَدي ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

يسآـموَ حبي كآزآَ

مروركَ إنيق

وَدي ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©