نازك الملائكة 2024.

تقول هذا الكلام رغم أن شكل الشعر الحر يملك جذوراً لدى شعراء عرب سبقوها إلا أن تجارب هؤلاء الشعراء لم تجذب أي شاعر بحيث يستعملها في شعره ،ولا قامت لأي منهم ضجة ،ولا امتدح التجربة أحد ،ولاثار عليها أحد..وإنما مضت كأنها وردة على تيار ماء تجرف ولاتبقي أثراً ،أما شعرها الحر الذي برز في مجموعة «شظايا ورماد» عام 1949.فقد لفت الأنظار وقامت حوله معارك ضارية في الصحف ،لابل أنه ماكاد يصدر حتى بدا الشعراء اليافعون يستجيبون لدعوتها وينشرون قصائدهم الحرة الأولى ،وهو أمر يثبت أنهم سمعوا بالشعر الحر منها هي لامن أي من الذين سبقوها ،ولأنها أول من دعا إليه دعوة رسمية في مقدمة «شظايا ورماد» وهي الدعوة التي استثارت الضجة ولفتت الأنظار الى الشعر الحر.. وكذلك هي أول من أرخ لحركة الشعر الحر وحاول وضع عروض مفصل لها ،وهي أول من كتب عن الأسباب الاجتماعية التي حتمت ظهورها ، وأول من وجه النقد إليها ،كل ذلك كان في كتابها »قضايا الشعر المعاصر» حيث بادر البعض من الشعراء والأدباء إلى استعمال الاصطلاحات التي وضعتها للشعر الحر .‏‏

مثل «البحور الصافية والبحور الممزوجة» وسواها ،رغم حبها الكبير للشعر الحر والمضي في نصرته نصرة مستمرة لاهوادة فيها إلا أنها كانت تكتب الشعر العمودي رغبة في التنويع وحرصاً منها على ألا يظن ظان أنها تنبذ شعر الشطرين ،فقد نشر لها مقالاً مفصلاً في مجلة «الهلال» بعنوان «أنا والشعر الحر» بينت فيه أنها متمسكة بالشكلين معاً أسلوب الشطرين وأسلوب الشعر الحر ولن أتخلى عن أي منهما لأنهما كليهما ضروريان للشاعر العربي. فمن الممكن للشاعر أن يصور أزمة الأمة العربية باستعمال شعر الشطرين ،كما يمكن تصويرها بالشعر الحر.فالأوزان الخليلية لاتضيق مطلقاً عن تصوير الحرقة الروحية وأزمات النفس الإنسانية ،أما الغلالة الرومانسية الغنائة فليست ناشئة عن شكل الشطرين وإنما تبعث من نفسية الفرد العربي الذي كان يهرب من مواجهة الواقع إلى جنة الأحلام السحرية .‏‏

وهناك شعراء حالمون يصورون أحلامهم بالشعر الحر أيضاً فلا شعر الشطرين ملازم للرومانسية ولا الشعر الحر خلو منها ،وليس من ارتباط إذن بين الشكل والحالة النفسية لكن الشاعرة نازك الملائكة ترى أن الشكل على واقعية أكبر قد يقصر عنها الشكل الخليلي الدارج ،ومثال ذلك قصيدتها » عناوين وإعلانات في جريدة عربية » لقد تحمس لها الجمهور حين قرأها تحمساً شديداً .‏‏

حيث أدرجت فيها عناوين سياسية مما تنشر الصحف وضمنتها إعلانات في الجرائد أيضاً في صيغة شعرية وهذا طلب مقدرة ماهرة ومخزون ثقافي ومعرفي هو ليس بعيداً عن متناول الشاعرة ،فأسلوب الشعر الحر قد ساعدها على ذلك .ولو كانت استعملت الوزن الخليلي الدارج لاضطرت إلى أن تضفي على القصيدة هيبة ورصانة وشكلية قد لا يتقبلها الموقف. فالشعر الحر مطلوب لموضوعات معينة .‏‏

كما تقتضي الموضوعية والأمانة أن هناك مواقف يكون الشعر الخليلي أفضل لها من الشعر الحر، وهذا التمييز بين الأفضلية ينبع من نفس الشاعر المبدع الذي يقف مسيطراً على قصائده ،يهديه حسه الفني في اختيار الشكل الملائم في كل حالة ،وتكون قريبة من الواقع الذي يفرزه .‏‏

يعتقد الكثيرون أن نازك الملائكة هي أول من كتبت الشعر الحر في عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي. وقد بدات الملائكة في كتابة الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جدا للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهما هما الشاعران شاذل طاقه وعبد الوهاب البياتي، وهؤلاء الأربعة سجلوا في اللوائح بوصفهم رواد الشعر الحديث في العراق.

ولدت نازك الملائكة في بغداد لأسرة مثقفة، وحيث كانت والدتها سلمى عبد الرزاق تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو "أم نزار الملائكة" أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة دائرة معارف الناس في عشرين مجلدا. وقد اختار والدها اسم نازك تيمنا بالثائرة السورية نازك العابد، التي قادت الثوار السورين في مواجهة جيش الاحتلال الفرنسي في العام الذي ولدت فيه الشاعرة. درست نازك الملائكة اللغة العربية وتخرجت عام 1944 م ثم انتقلت إلى دراسة الموسيقى ثم درست اللغات اللاتينية والإنجليزية والفرنسية في الولايات المتحدة الأمريكية. ثم انتقلت للتدريس في جامعة بغداد ثم جامعة البصرة ثم جامعة الكويت. وانتقلت للعيش في بيروت لمدة عام واحد ثم سافرت عام 1990 على خلفية حرب الخليج الأولى إلى القاهرة حيث توفيت, حصلت نازك على جائزة البابطين عام 1996.كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26 مايو/أيار 1999 احتفالا لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي والذي لم تحضره بسبب المرض وحضر عوضاً عنها زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة. ولها ابن واحد هو البراق عبد الهادي محبوبة. وتوفيت في صيف عام 2024م.

النهر العاشق , نازك الملائكة