أكثرُ ما يعذّبني في حُبِّكِ..
أنني لا أستطيع أن أحبّكِ أكثرْ.. وأكثرُ ما يضايقني في حواسّي الخمسْ.. أنها بقيتْ خمساً.. لا أكثَرْ.. إنَّ امرأةً إستثنائيةً مثلكِ تحتاجُ إلى أحاسيسَ إستثنائيَّهْ.. وأشواقٍ إستثنائيَّهْ.. ودموعٍ إستثنايَّهْ.. إنَّ امرأةً إستثنائيَّةً مثلكِ.. تحتاجُ إلى كُتُبٍ تُكْتَبُ لها وحدَها.. وحزنٍ خاصٍ بها وحدَها.. وموتٍ خاصٍ بها وحدَها وزَمَنٍ بملايين الغُرف.. تسكنُ فيه وحدها.. لكنّني واأسفاهْ.. لا أستطيع أن أعجنَ الثواني على شكل خواتمَ أضعُها في أصابعكْ فالسنةُ محكومةٌ بشهورها والشهورُ محكومةٌ بأسابيعها والأسابيعُ محكومةٌ بأيامِها وأيّامي محكومةٌ بتعاقب الليل والنهارْ في عينيكِ البَنَفسجيتيْنْ… أكثرُ ما يعذِّبني في اللغة.. أنّها لا تكفيكِ. وأكثرُ ما يضايقني في الكتابة أنها لا تكتُبُكِ.. أنتِ امرأةٌ صعبهْ.. كلماتي تلهثُ كالخيول على مرتفعاتكْ.. ومفرداتي لا تكفي لاجتياز مسافاتك الضوئيَّهْ.. معكِ لا توجدُ مشكلة.. إنَّ مشكلتي هي مع الأبجديَّهْ.. مع ثمانٍ وعشرين حرفاً، لا تكفيني لتغطية بوصة واحدةٍ من مساحات أنوثتكْ.. ولا تكفيني لإقامة صلاة شكرٍ واحدةٍ لوجهك الجميلْ… إنَّ ما يحزنني في علاقتي معكِ.. أنكِ امرأةٌ متعدِّدهْ.. واللغةُ واحِدهْ.. فماذا تقترحين أن أفعلْ؟ كي أتصالح مع لغتي.. وأُزيلَ هذه الغُربَهْ.. بين الخَزَفِ، وبين الأصابعْ بين سطوحكِ المصقولهْ.. وعَرَباتي المدفونةِ في الثلجْ.. بين محيط خصركِ.. وطُموحِ مراكبي.. لاكتشاف كرويّة الأرضْ.. ربما كنتِ راضيةً عنِّي.. لأنني جعلتكِ كالأميرات في كُتُب الأطفالْ ورسمتُكِ كالملائكة على سقوف الكنائس.. ولكني لستُ راضياً عن نفسي.. فقد كان بإمكاني أن أرسمكِ بطريقة أفضلْ. وأوزّعَ الوردَ والذَهَبَ حول إليتيْكِ.. بشكلٍ أفضلْ. ولكنَّ الوقت فاجأني. وأنا معلَّقٌ بين النحاس.. وبين الحليبْ.. بين النعاس.. وبين البحرْ.. بين أظافر الشهوة.. ولحم المرايا.. بين الخطوط المنحنية.. والخطوط المستقيمهْ.. ربما كنتِ قانعةً، مثل كلّ النساءْ، بأيّة قصيدة حبٍ . تُقال لكِ.. أما أنا فغير قانعٍ بقناعاتكْ.. فهناك مئاتٌ من الكلمات تطلب مقابلتي.. ولا أقابلها.. وهناك مئاتٌ من القصائدْ.. تجلس ساعات في غرفة الإنتظار.. فأعتذر لها.. إنني لا أبحث عن قصيدةٍ ما.. لإمرأةٍ ما.. ولكنني أبحث عن "قصيدتكِ" أنتِ…. إنني عاتبٌ على جسدي.. لأنه لم يستطع ارتداءكِ بشكل أفضلْ.. وعاتبٌ على مسامات جلدي.. لأنها لم تستطع أن تمتصَّكِ بشكل أفضلْ.. وعاتبٌ على فمي.. لأنه لم يلتقط حبّات اللؤلؤ المتناثرة على امتداد شواطئكِ بشكلٍ أفضلْ.. وعاتبٌ على خيالي.. لأنه لم يتخيَّل كيف يمكن أن تنفجر البروق، وأقواسُ قُزَحْ.. من نهدين لم يحتفلا بعيد ميلادهما الثامنِ عشر.. بصورة رسميَّهْ… ولكن.. ماذا ينفع العتب الآنْ.. بعد أن أصبحتْ علاقتنا كبرتقالةٍ شاحبة، سقطت في البحرْ.. لقد كان جسدُكِ مليئاً باحتمالات المطرْ.. وكان ميزانُ الزلازلْ تحت سُرّتِكِ المستديرةِ كفم طفلْ.. يتنبأ باهتزاز الأرضْ.. ويعطي علامات يوم القيامهْ.. ولكنني لم أكن ذكياً بما فيه الكفايه.. لألتقط إشاراتكْ.. ولم أكن مثقفاً بما فيه الكفايه… لأقرأ أفكار الموج والزَبَدْ وأسمعَ إيقاعَ دورتكِ الدمويّهْ…. أكثر ما يعذِّبني في تاريخي معكِ.. أنني عاملتُكِ على طريقة بيدبا الفيلسوفْ.. ولم أعاملكِ على طريقة رامبو.. وزوربا.. وفان كوخ.. وديكِ الجنّ.. وسائر المجانينْ عاملتُك كأستاذ جامعيّْ.. يخاف أن يُحبَّ طالبته الجميلهْ.. حتى لا يخسَر شرَفَه الأكاديمي.. لهذا أشعر برغبةٍ طاغية في الإعتذار إليكِ.. عن جميع أشعار التصوُّف التي أسمعتكِ إياها.. يوم كنتِ تأتينَ إليَّ.. مليئةً كالسنبُلهْ.. وطازجةً كالسمكة الخارجة من البحرْ.. أعتذر إليكِ.. بالنيابة عن ابن الفارض، وجلال الدين الرومي، ومحي الدين بن عربي.. عن كلَّ التنظيرات.. والتهويمات.. والرموز.. والأقنعة التي كنتُ أضعها على وجهي، في غرفة الحُبّْ.. يوم كان المطلوبُ منِّي.. أن أكونَ قاطعاً كالشفرة وهجومياً كفهدٍ إفريقيّْ.. أشعرُ برغبة في الإعتذار إليكِ.. عن غبائي الذي لا مثيلَ له.. وجبني الذي لا مثيل له.. وعن كل الحكم المأثورة.. التي كنتُ أحفظها عن ظهر قلبْ.. فبكيا كطفلينِ معاقبينِ.. وناما دون عشاءْ.. أعترفُ لكِ يا سيّدتي.. أنّكِ كنتِ امرأةً إستثنائيَّهْ وأنَّ غبائي كان استثنائياً… فاسمحي لي أن أتلو أمامكِ فِعْلَ الندامَهْ عن كلِّ مواقف الحكمة التي صدرتْ عنِّي.. فقد تأكّد لي.. بعدما خسرتُ السباقْ.. وخسرتُ نقودي.. وخيولي.. أن الحكمةَ هي أسوأُ طَبَقٍ نقدِّمهُ.. لامرأةٍ نحبُّها….
|
||