الشيطان يعربد ويصول ويجول بأرجاء المكان .. أنه لا يتوارى ولا يخجل ولا يستكين .. دماء الصغار كالكبار ويستبيح طعناته للنساء استباحته طعنهُ للرجال .. دينه الخسة ومذهبه مذهب الجبناء .. كل ما ينشده البقاء والارتواء بمزيد من الدماء .. وكانت فاطمة وهي تحتضن الصغار تنظر إلي السماء وبكل ما تملك من يقين خاطبت من بيده الأمر من قبل ومن بعد – يا الله ألا من خلاص يا الله بك استجير…….
في تلك اللحظة تقدم الجبناء بما يملكون من أدوات شيطانية فقد كانت تحلق طائرة أباتشي تبحث عن مجاهد لا يستطيعون أن يواجهوه وجهاً لوجه فالرجل بعشر رجال .. وتقصف الطائرة المنزل بصاروخين
في تلك اللحظة ردت السماء وأجابت فاطمة .. لا تخافي ولا تحزني .. وإذ بزوجها يقف بجوارها وهي تضم صغارها يتلو قول الله عز وجل " {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} ورددت الملائكة الآية الكريمة
أحست فاطمة بأنها في عالم لا تستطيع أن تصفه أو تبلغ منتهى.. فكل شيء لا فتور له … كل ما نعرفه من مفردات لغوية لم ولن تصف الحال والزمان والمكان … احتضنت فاطمة الصغار ووقف زوجها يبتسم ابتسامة الفرح والسرور ابتسامة يملأها الشعور بالأمان .. وفي دورة واحدة لا زمان لها دارت فاطمة لتملي عينيها بجمال الكون من حولها وبنور ينبثق من اللا منتهى ويحتوي الكون من حولها … أنها لم ترتقي إلي السماء بعد فهي تعيش اللحظة بكل ما فيها من جمال في عالم برزخي …قليل هم من يصلوا لتلك اللحظة …. ومن اللا زمن إلي واقع الحياة يأتيها صوت كم تحبه وكم تعرفه يحمل طيف الشجن والحزن لتلتفت وتتذكر … فتنظر إلي زوجها ولسان حالها يقول – الأحبة..!!
ولأول مرة يحدثها
– فاطمة نحن نحيى في عالم برزخي وها نحن ننطلق إلي حيث وعدنا الرحمن فلا تفسدين علينا اللحظة ..
وإذ بفاطمة تقتضب وتقول في إسرار
_ الأحبة ….؟
يقاطعها زوجها
– رويدا يا فاطمة …سوف يتولاهم الرحمن –فلا تفسدي علينا لحظتنا …
وفي هذا الأثناء هبت سحابة ضبابية من بعيد سحابة الشجن والحزن
فنظرت إليه قائله
– أنهم يحزنون ..
فقال باسما
– فاطمة سحابة الحزن سريعا ما تتلاشى فلا تقلقي فهيا بنا حيث لا خوف ولا حزن وابشري فقد منّ الله علينا وجمعنا أنا وأنت والصغار فبالله عليك لا تفسدين علينا تلك الفرحة وهيا ننطلق مع الركب هيا …
تعلقت عينا فاطمة بتلك السحابة وهي تدعوا الله أن تتلاشي حتى يطمئن قلبها علي الأحبة , ولكن مازالت تلك السحابة تؤرقها وتقف حائلة بين الانطلاق مع الركب أو ألانتظار … تقدم من فاطمة نور ينبثق من أول الركب وحيها تحية الإسلام
– السلام عليكم يا أختاه
وإذ بها في تلقائية تجيبه التحية
– وعليكم السلام ثم قالت له والابتسامة تملا وجهها , أنت حمزة عم رسول الله .
فقال والنور يشع من وجهه
– نعم يا أختاه أنا حمزة بن عبد المطلب سيد شهداء الجنة أنا من أكلوا من كبده ومثلوا بجسده
دمعت عين فاطمة ومزال وجهها مبتسم ودون أن تسأل عاد يقول لها
– بالطبع حُزن رسول الله حين استشهدتُ كان أكبر من تلك السحابة بل وربما كنت اشد منك قلقا علي الأحبة ولكن ها أنا والحبيب في لقاء وما دامت سحابة حُزن يا أختاه ..
قالت فاطمة وهي تأمل أن يُستجاب لها
– هل من لقاء أخير أو رسالة واحدة فأنا أعرف من أحب وأعرف كم يفعل فيهم الحُزن …
وفي رحمة بفاطمة سألها
– انظري إلي نور السماوات والأرض كيف تصفين ذلك في كلمات !؟
– لن أستطيع !
– أذن ماذا تقولين يا أختاه
– دعني أحدثُها عن ذكرياتنا الجميلة فتفهم باني في سعادة
– لك هذا
وظلت فاطمة ترسل برسالتها إلي الأحبة من حين إلي أخر لعل تنقشع سحابة الحزن وتتلاشى , ولكن تلك الرسالة كان يعوق فهمها وفهم مدلولها , قلب ينبع منه الحزن الممزوج بالغضب قلب أم فاطمة , فحين تلقت الخبر باستشهاد فاطمة وزوجها وأولادها أي الولد وولد الولد وما كانت تكن لهم من حب .. كانت صرخة يُسمع صداها وقد تعانقت مع صرخات المظلومين والمقهورين …تعانقت مع صرخات مطالبة بالثأر والقصاص …كانت الأم تنهار وترفض كل الواقع من حولها وأخت فاطمة ترتوي من ذلك النبع الحزين وهي تبحث عن مكان لها في قلب الأم المكلومة فما أحوجها إلي صدر ذو رحم وقلب اعتادت منه ألنصره فما أحوجها إلي قلب أمها .. ويا للقدر والأقدار !!
أخذت ندي أمها في أحضانها لتسقيها من نبع الصبر والسلوان وتتماسك وهي الزهرة التي تحتاج العون لكي لا تتناثر أوراقها وتذبل قبل الأوان… تقدمت من فراش أمها وهي حاملة كوب اللبن لكي ترويها وفي ابتسامة حنون مدت يدها بالكوب وجلست علي حافة الفراش بجوار أمها ..فنظرت الأم وبصوت ملئ بالحزن قالت :
– كانت فاطمة تفعل ذلك .
بدون أن تدري أعلنت أن لا مكان في قلبها لغير فاطمة فتهرب ندي من أمام أمها لتختلي بنفسها ومرة أخري تصل رسالة فاطمة إلي ندي فتجلس مع فيض من الذكريات الجميلة التي جمعتهم سويا ويمتزج الحزن والفرح والغضب وتصبح رسالة مشوشة لا يصل مضمونها ولا تستوعب الغرض من تداعي الذكريات …
قامت ندي وعينيها دامعة تستقبل القبلة لتصلي وتدعوا الله بأن يلهمها الصبر والسلوان … وبعد أن فرغت منها عاودتها الذكريات الجميلة التي تجمعها بالشهيدة الراحلة وتتلا لا الدموع وتنساب علي وجنتيها و تتساءل عن كيفية حدوث هذه الكارثة .. ومن المسئول عنا .. وكلما رسمت بخيالها بشاعة الحدث امتلاء قلبها بالحُزن والهلع والغضب … خاصة أن الحياة من حولها تسير وكأنها لم تحتوي فاطمة وصغارها .. تكاد ندي تصرخ في الحياة والناس من حولها آلا تشعرون آلا تغضبون يا لكم من حمقا ويا لها من حماقة … وعادت فاطمة ترسل رسالة الذكريات ولكن بعد أن غلب النعاس عين ندي واستسلمت لنوم هادئ لتحلم بفاطمة وهي ترتدي ثوب أبيض باسمة الوجه ولسان حالها يقول
لا تحزني واستمري في أداء رسالتك ولا تجعلي الغضب يمتزج بالحُزن … والثأر.. الثأر يا أختاه
نعم نفرح بشهدائنا نفرح لهم ولا نحزن إلا ثلاث أيام كما علمنا الرسول الكريم , ولكن سيظل الغضب طاقة فعالة نستمد منها العزم علي الثأر من عدو الله وعدونا …
استيقظت في الصباح وهي تفكر كيف تتعامل مع أمها كيف تستطيع أن تجعلها تفصل بين الحزن و الغضب كيف تحصل علي مساحة في قلب أمها فكم تشتاق إلي ذلك الحضن الذي دائما يحتويها وتستمد منه الشعور بالأمان والسلام والسكينة … وكان قرارها أن تترك الزمن يفعل فعلته وخرجت إلي عملها لتمارس الحياة ولن تمحوا الغضب من عقلها عازمة علي الثأر لفاطمة و لله والوطن .. وغدا لناظره قريب
شعرت فاطمة بالطمأنينة بعد أن أحست ببدء تلاشي ساحبة الحزن من حولها .وانطلق الركب إلي حيث أراد الله
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
يسلمووووووووووووو
مستر
على الطرح
الجميل
قصه تجنن
يسلمووو علي مجهودك الجميل
تحياتي مع خالص احترمي*