جئتُ دُنْيايَ وأدْري، عن يَقينٍ كيف جئْتُ
جئتُ دنيايَ لأمرٍٍ من هُدَى الآيِِ جَلَوْتُ
ولقد أبصرتُ قُدّامي دليلاً فاهْتَدَيْتُ
لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ ضَلَّ القومُ عـنه !
لَيْتَ شِعْرِي!
لَيْسَ سرّاً ذَا خَفَاءٍ أمرُ ذيّاك الوُجُودْ
كلُّ مَا في الكَوْنِ إبْدَاعٌ إلى الله يَقُودْ
كائناتُ البَرّ والبَحْرِ على الخَلْقِ شُهُودْ
لَيْتَ شٍعْرِي كَيْفَ ضَلَّ القَوْمُ رُشْدًا!
لَيْتَ شِعْرِي!
آدمُ الجَدُّ نَبيٌّ، فِطْرَةُ اللهِ القَدِيرْ
ْاجْتَبَاهُ وهَدَاهُ ودَعَاهُ بالْبَشِيرْ
وحَباهُ، من لَدُنْهُ، فيْضَ علمٍ كيْ يُنيرْ
لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَعْمَى القومُ عنه؟
لَيْتَ شِعْرِي!
مثلُ جَدّي قد هَدَاني اللهُ بالرُّوحِ الأَمِينْ
من رَسُولٍ عن رَسُولٍ جَاءَنَا الذِّكْرُ المُبينْ
في ضِيَاءِ الحقِّ نَجْلُو طَلْسَمَ الغَيْبِ المَكينْ
لَيْتَ شِعْرِي، كَيْفَ حَادُوا عن هُدَاه؟
لَيْتَ شِعْرِي!
قَالَ رَبّي: كُنْ فَكُنْتُ ثمّ صِرْتُ اليَوْمَ حَيَّا
وقُوَايَ مُشْرَعَاتٌٍ كَيْفَ شِئْتُ في يَدَيَّا
دُمتُ حُرًّا في اخْتِيَاري إنْ عَصِيّاً أوْ رَضِيَّا
عن جَلِيِّ الأَمْرِ ضَلُّوا! كَيْفَ ضَلُّوا!
لَيْتَ شِعْرِي!
البحر
قد سَألْتُ البَحْرَ يَوْمًا: أأُجيبُ النّاسَ عَنْكَا؟
فأجَابَ البَحْرُ هَيَّا، قد سَئِمْتُ القَوْلَ إفْكَا
أنتَ مِثْلِي، خَلْقُ رَبّي ويَفِيضُ الصِّدْقُ مِنْكَا
لَيْتَ شِعْرِي كَمْ نَسَوْهُ وَهْوَ حَقٌّ؟!
لَيْتَ شِعْرِي!
أيّها البَحْرُ كَفَانَا قَوْلُهُم زُورًا عَلَيْكَا
هَا هو الشَّاطِئُ يَدْرِي أنّه جَاثٍٍ عَلَيْكَا
هَا هي الأنهارُ أَجْرَتْهَا يَدُ الله إلَيْكَا
أحسب الأمواج قالت حين ثارت
لَيْتَ شِعْرِي!
أنتَ يا بَحْرُ عَظيمٌ.. آه ما أعْظَمَ أمْرَكْ
لستَ يا بَحْرُ أسيرًا.. ضَلَّ مَنْ يَزْعمُ أسْرَكْ
أنتَ يا بَحْرُ مُطيعٌ أمْرَ مَنْ أبْدَعَ سِرَّكْ
لَيْتَ شِعْرِي، كَيْفَ قَالُوا ذَاكَ أَسْرٌ؟
لَيْتَ شِعْرِي!
أنتَ يا بَحْرُ تُطيعُ اللهَ فيما أَمَرَا
فإذا بالمُزْنِ تَسْقِي أَرْضَنَا والشَّجَرَا
سُحُبًا يَجْعَلُُها اللهُ رُكَامًا مَطَرَا
لَيْتَ شِعْرِي، كَيْفَ لَمْ يُولُوكَ فَهْمًا؟
لَيْتَ شِعْرِي!
ربنا الرحمنُ أجرَي رزقَنَا منك وحوْلَك
وهدَانَا كيف نَجْنِيه ولا نَجْحَدُ فضْلَك
كيف نَمْضي نَمْخُرُ الأمواجَ لا نَرْهَبُ هَوْلك
ليتَ شِعْري كم أساءَ القوْمُ فَهْمَكْ، لَيْتَ شِعْرِي!
أنت يا بَحْرُ، لِنَفْعي، مثْلُ أَِرْضِِي وهَوائِي
في عُلاَكَ الشّمْسُ دِفْءٌ وضِياءٌ لِسَمَائِي
وظَلامُ اللّيلِ سُكْنَى، بَعْدَ كَدْحي وعَنَائي
لَيْتَ شِعْرِي، كَيْفَ يُنْسَى فَضْلُ رَبِّي؟
لَيْتَ شِعْرِي!
قد بَرَاكَ اللهُ مِثْلِي، فِيكَ أَصْدَافٌ ورَمْلُ
وبَرَانِي اللهُ من مَاءٍ وطينٍ، ذَاكَ أَصْلُ
ثم كُرِّمتُ بعَقْلٍ وبنَفْخ الرُّوح أَعْلُو
مَنْ حَبَاهُ اللهُ عَقْلاً كَيْفَ يَنْسَى؟
لَيْتَ شِعْرِي!
إنّني يا بَحْرُ بَحْرٌ شَاطِئَاهُ شَاطِئَاكَا
الغَدُ المأْمُولُ والأمسُ اللّذان اكْتَنَفَاكَا
أنت تَفْنَىوخُلودُ النّاسِ حقٌّ بَعْدَ ذَاكَا
كَيْفَ نَنْسَى، في غُرُورٍ، دَارَ خُلْدٍِ؟
لَيْتَ شِعْرِي!
إنّ للكَوْن صَلاَةٌ هي تَسْبِيحٌوذِِكْرُ
إنّ للطَّيْرِ نَشيدًا كلُّهُ حَمْدٌوشُكْرُ
سَبَّحَ الخَالِقَ بَحْرٌ ومَجَرَّاتٌوزَهْرُ
لَيْتَ شِعْرِي، كَيْفَ يَنْسَى العَبْدُ رَبَّهْ؟
لَيْتَ شِعْرِي!
كَمْ مُلُوكٍ ضَرَبُوا حَوْلَكَ في اللّيْل القِبَابَا
طَلَعَ الصُّبْحُ ولَكِنْ لم نَجِدْ إلاّ الضَّبَابَا
ولَهُمْ، يا بَحْرُ، يَوْمٌ فيه يَلْقَوْنَ الحسَابَا
أيُّ مُلْكٍ سَوْفَ يُغْنِي حِينَ ذَاكَا؟!
لَيْتَ شِعْرِي!
يا كتَابَ الدّهْرِِ قُلْ لي ألَهُ قَبْلٌ وبَعْدُ
أنا كالزّوْرَق فيه وهو بَحْرٌ لا يُحَدُّ
ليس لي قصدٌ، فهل للدّهْرِ في سَيْريَ قَصْدُ؟
هَكَذَا قَالُوا! فَهَلْ أَصْغَوْا لِرَدِّي؟