محلها القلب.. لأنها الحبيبة. والأحبّة لا يرحّلون إلى الذاكرة.
ولأنني لا أدرك على وجه التحديد مدى انغراسها في أنسجتي، وانطعاني بآدميتها لا أتخيلها تخرج مني، حتى وإن غادرت الدنيا من بابها الخلفي.
أكذب إن زعمت أني أعرف أين كانت مني وكم التبست بي حتى صرتها وصارتني.
أحاول أن اصدق، وأتوهم ربما، أنها انتقلت إلى " هناك " وتركتني أتلظى بلوعة فقدها " هنا ".
وبالتأكيد، سأحتاج لوقت طويل لأضبط مواقيتي على دقات أخرى لا تشبه أنينها ولهاثها.
ستتهي الأيام لتطمر صدى الذكريات، أعرف هذا، فالزمن جراح عظيم، ولكن ذلك لن يكون أكثر من ضباب رخيم، يمكن أن يندمل بمجرد أن أنفرد بنفسي.
عندي يقين شعوري بهذا، فبعد أربعين يوما حزينة وبطيئة بدونها،بعد غيبوبة دامت سنة كاملة لم أجرؤ على تحريك قنينة عطر عن موضعها، ولا العبث بفرشاة أسنان منسية في غفلتها، ولا النظر خلسة لقميص خاوٍ منها، حتى التدحرج على الجانب الآخر من سرير ضمنا أعانده لئلا أرتطم بفراغ سادي يلوح لي بغيابها.
الحياة الآن تتكثّف، وشعوري يتحشد بشكل ممض، حين استعيد – على غير إرادة مني – سيرة أول دمعة تدحرجت حتى صارت بحيرة أوجاع. لا أستطيع أن أعي تلويحـاتها الأخيرة، وإغماضتها يوم الجمعة الخامس والعشرون من نوفمبر إلا بالارتماء في مطلع الألفية الثالثة.
يومها كان الناس يحتفلون بالقرن الجديد وكنت أحاول إقناعها بأن ما تعانيه مجرد عارض بسيط.من عوارض الحمل،في شهره الأخير
يومها خرجنا وهي تحدثني عن وجبة غذاء سنتناولها معاً بمجرد عودتنا من المستشفى. أصرت على حمل حقيبة عملها لكي تكمل يومها في مكتبها
لم تكن تعلم أنها لن تعود إلى البيت، وأن الحقيبة المعبأة بأحلام المظلومين ستتوئمها بحقيبة أخرى من أجل إقامة في العيادة تحت المراقبة الطبية. وسنبدأ معاً رحلة وعرة من الأحزان والآلام نؤرخ فيها حياتنا بمواعيد الوضع التي تنهي الآلام وتعيد الحبيبة بمولودتها سليمة معافية بهدية العمر إلى حبيبها.
منذ تلك اللحظة صار " السرير الأبيض " هو المكان الذي نتواعد فيه، ولم تعد غرفة نومنا أكثر من محطة استرخاء لجسدي المنهوك،وفكري القلق على توءم الروح .
مرّة هي الحياة … ومتوحشة عندما تتأمل من تحب أمامك يتوسل بعينيه،يبلغك رسائله. أحببت بعض هذا الألم لأنه أتاح لنا فرصة التعرف على بعضنا من جديد، وأثبت أنه الوقود الحقيقي للمشاعر الإنسانية. حينها عرفت أن " الحب " يحتاج إلى الكثير من الأوجاع ليرتوي، وأن معنى الحياة الأعمق لا يتولد إلا على حافة العذاب.
وجاءت اللحظة الحاسمة .
خرجت الممرضة تسبقها بسمة عريضة وبكلمات كأنها زغردات الوجود قالت:مبروك،بنوتة قمر
مابين اخبار والدينا هاتفيا وخروج الطبيب الجراح كان القدر قد غير رأيه،فاضت روح الحبيبة.
هكذا تجرع قلبي قبل بصري قراءة تقارير طبية ترتعد منها الفرائص. تقارير تفصيلية متوحشة تحدثني بتجريد بارد عن أسباب الوفاة ،وأن داخل الجسد الذي جاسدته كان ورم خبيث يتعايش مع الحبيبة،يشاركني رواءها وفتنتها وجسدا طالما ذاب بين أحضاني متعة وسخاء…
مرّة هي الأيام .. ومرعبة، حين تساكن كائنا ميتا يتوجسه الموت في كل الأوقات ويترقبه من كل الزوايا،ولا أحد يعلم أو يستشعر الأمر.
لم تشك يوما من ألم ،حتى أنها لم تتوقف يوما عن موعد ساعات الرياضة إلا في سفر حيث كانت تعوضها بالمشي ،
– عاشقة مشي أنتٍ
– اريد أن أملأ النفس والعين بطريق تمر بها
هكذا كانت ترد ،فما تذوقت يوما من كلماتها غير جمال اللفظ وعمق المعنى
ست سنوات مرت عشتها حاضنا لهدية قطفت لها اسما كانت الحبيبة تعشقه ،- عايدة – ولعايدة في حياتنا لقاء طفولي في لحظة براءة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصه وتصوير مؤثر جدا
يعطيك العافيه
تحيتي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قصة رووعه مؤثره
يعطيك العافيه
تحيتي لك