تخطى إلى المحتوى

قصة قصيرة : القطار والرحيل 2024.

  • بواسطة

خليجية خليجية
أخبرتني اهتزازات القطار أنني على وشك الوصول … وأن عليّ أن أجهّز حقيبتي استعداداً للرحيل … ألقيت بناظري خلف خصاص النافذة
حيث المروج الخضراء المنبسطة تتسابق مع قرص الشمس المائل نحو المغيب … ثم ارتد بصري إلى طفلتي …كانت جالسة بجواري تبتسم
في براءة وسذاجة ..وأصابعها الرقيقة تعبث في ضفائرها المجدولة .. تملّكنى إحساس بالقلق عليها .! ترى ماذا يخبىء لها المستقبل ..؟!
مرت المحطات سريعة متعاقبة …توقف القطار في إحداها ولم يتوقف في الأخرى … لماذا ..؟ شغلتني تلك القضية برهة من الزمن …تساءلت
بيني وبين نفسي…ماالحياة ..؟ وما هو سر الوجود ..؟ وهل هي فعلا أعظم نعمة توهب للمخلوق كما قال صاحب أهل الكهف في رائعته …؟
وإن كانت كذلك فأين تكمن السعادة ..؟ وإذا كانت الحياة تقيّم بما فيها من سعادة فهل كتب على المقهورين من امثالي أن يحيوا مثل الجثث
المحنطة …؟! ثم .. أكانت الحياة مبهجة لأمثالي بالرغم من تفشي البؤس والفاقة … ؟ غير أني فشلت في إجابة مقنعة .. ملت على طفلتي هامساً :
" آه لو تعرفين ياصغيرتي كم أحببت الحياة ..؟ كم ضحيت كي أستمتع بها ..؟ كم بهرتني ولوّعتني وجذبتني وحيّرتني ..؟" منعطفات كثيرة مررت
بها فحينما انبثق شريان الشباب وغمرت الفتوة أوجه حياتي .. كانت الابتسامة لاتفارقني والحيوية تتدفق من جوانحي .. والآن وبعد أن استفحل
الجفاف واختنقت المسرات ..آه ياصغيرتي لو تعرفين الاحتياج الكامن داخلي…آه لو تعرفين كم أود أن أستمتع بالصباح حين يشرق ويملأ الأرجاء
بالنور ..وبالشمس حين تفرش الأعشاب بالمحبة .. وبالفراشات حين تسبح في النور ..وبدفقات الشباب حين تخضّب الأفق بإشراقات بهية …
أهذا جل اهتمامي الآن ..؟ نعم .. فتلك هي المحصلة النهائية لما ادخرته روحي وما خبرته تجاربي عبر رحلة طويلة قطعتها بين فرح وخوف وركض
ونوم وأحلام تجاهلها الواقع واستبد بها اليأس والقنوط … أدرت رأسى باحثاً عن حقيبتي .. وحين اشتد بطء القطار وازدادت ارتجاجاته ادركت
أن محطتي المقبلة قد دنت جداً .. ابتسمت لجيراني في المقاعد الأخرى ..كانوا ينظرون نحوي في رثاء وشفقة .. لم أهتم .. ! ووقفت حاملاً
طفلتي مقوساً خوفاً من أن تسقطني اهتزازات القطار … وهاهو رصيف المحطة على وشك الظهور وطفلتي متعلقة برقبتي وضفائرها السوداء
تتماوج أمام ناظري … ومن بين ضجيج القطار وصخب المسافرين جاء صوتها "رأسك باردة مثل الثلج ياأبي.." غير أني لم أكترث إذ دارت
عيناي في أرجاء القطار وهتفت في توسل ورجاء : "بنيتي …أين الحقيبة ..؟" .
خليجية خليجية

الله يعطيك العافية مشكور اخي ن25

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.