السيرة الذاتية للشيخ العلامة على الطنطاوي
فضيلة الشيخ على الطنطاوي
كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ فقد تعلم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وحين توفي أبوه -وعمره ست عشرة سنة- صار عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أمٌّ وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم، ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق فعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها، ودرس الثانوية في "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928.
بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929) فدرس الحقوق في جامعتها الى ان نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933. وقد رأى -لمّا كان في مصر في زيارته تلك لها- لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فأُلفت لجنةٌ للطلبة سُميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي (أي اللجنة العليا للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931.
في الصحافة
نشر علي الطنطاوي أول مقالة له في جريدة عامة (وهي "المقتبس") في عام 1926، وكان في السابعة عشرة من عمره. بعد هذه المقالة لم ينقطع عن الصحافة قط، فعمل بها في كل فترات حياته ونشر في كثير من الصحف؛ شارك في تحرير مجلتي خاله محب الدين الخطيب، "الفتح" و"الزهراء"، حين زار مصر سنة 1926، ولما عاد إلى الشام في السنة التالية عمل في جريدة "فتى العرب" مع الأديب الكبير معروف الأرناؤوط، ثم في "ألِف باء" مع شيخ الصحافة السورية يوسف العيسى، ثم كان مدير تحرير جريدة "الأيام" التي أصدرتها الكتلة الوطنية سنة 1931 ورأس تحريرها الأستاذ الكبير عارف النكدي، وله فيها كتابات وطنية كثيرة.
خلال ذلك كان يكتب في "الناقد" و"الشعب" وسواهما من الصحف.بدأ علي الطنطاوي بالتعليم ولمّا يَزَلْ طالباً في المرحلة الثانوية، حيث درّس في بعض المدارس الأهلية بالشام وهو في السابعة عشرة من عمره (في عام 1345 هجرية)، وقد طُبعت محاضراته التي ألقاها على طلبة الكلية العلمية الوطنية في دروس الأدب العربي عن "بشار بن برد" في كتاب صغير صدر عام 1930 (أي حين كان في الحادية والعشرين من العمر).
بعد ذلك صار معلماً ابتدائياً في مدارس الحكومة سنة 1931 حين أغلقت السلطات جريدة "الأيام" التي كان يعمل مديراً لتحريرها، وبقي في التعليم الابتدائي إلى سنة 1935. وكانت حياته في تلك الفترة سلسلة من المشكلات بسبب مواقفه الوطنية وجرأته في مقاومة الفرنسيين وأعوانهم في الحكومة، فما زال يُنقَل من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية، حتى طوّف بأرجاء سوريا جميعاً: من أطراف جبل الشيخ جنوباً إلى دير الزور في أقصى الشمال.
ثم انتقل إلى العراق في عام 1936 ليعمل مدرّساً في الثانوية المركزية في بغداد، ثم في ثانويتها الغربية ودار العلوم الشرعية في الأعظمية (التي صارت كلية الشريعة)، ولكن روحه الوثّابة (التي لم يتركها وراءه حين قدم العراق) وجرأته في الحق (ذلك الطبع الذي لم يفارقه قط) فعلا به في العراق ما فعلاه به في الشام، فما لبث أن نُقل مرة بعد مرة، فعلّم في كركوك في أقصى الشمال وفي البصرة في أقصى الجنوب. وقد تركَتْ تلك الفترة في نفسه ذكريات لم ينسَها، وأحب "بغداد" حتى ألّف فيها كتاباً ضم ذكرياته ومشاهداته فيها.
بقي علي الطنطاوي يدرّس في العراق حتى عام 1939، لم ينقطع عنه غير سنة واحدة أمضاها في بيروت مدرّساً في الكلية الشرعية فيها عام 1937، ثم رجع إلى دمشق فعُيِّن أستاذاً معاوناً في مكتب عنبر (الذي صار يُدعى "مدرسة التجهيز"، وهي الثانوية الرسمية حينئذ بالشام)، ولكنه لم يكفَّ عن شغبه ومواقفه التي تسبب له المتاعب، وكان واحدٌ من هذه المواقف في احتفال أُقيم بذكرى المولد، فما لبث أن جاء الأمر بنقله إلى دير الزور! وهكذا صار معلماً في الدير سنة 1940، وكان يمكن أن تمضي الأمور على ذلك لولا أنه مضى في سنّته ومنهجه في الجرأة والجهر بالحق. وكانت باريس قد سقطت في أيدي الألمان والاضطرابات قد عادت إلى الشام، فألقى في الدير خطبة جمعة نارية كان لها أثر كبير في نفوس الناس، قال فيها: "لا تخافوا الفرنسيين فإن أفئدتهم هواء وبطولتهم ادّعاء، إن نارهم لا تحرق ورصاصهم لا يقتل، ولو كان فيهم خير ما وطئت عاصمتَهم نِعالُ الألمان"! فكان عاقبة ذلك صرفه عن التدريس ومنحه إجازة "قسرية" في أواخر سنة 1940. وفي سنة 1933 أنشأ الزيات المجلة الكبرى، "الرسالة"، فكان الطنطاوي واحداً من كتّابها واستمر فيها عشرين سنة إلى أن احتجبت سنة 1953. وكتب -بالإضافة إلى كل ذلك- سنوات في مجلة "المسلمون"، وفي جريدتي "الأيام و"النصر"، وحين انتقل إلى المملكة نشر في مجلة "الحج" في مكة وفي جريدة "المدينة"، وأخيراً نشر ذكرياته في "الشرق الأوسط" على مدى نحو من خمس سنين. وله مقالات متناثرة في عشرات من الصحف والمجلات التي كان يعجز -هو نفسه- عن حصرها وتذكر أسمائها.
هذه الحادثة انتهت بعلي الطنطاوي إلى ترك التعليم والدخول في سلك القضاء، دخله ليمضي فيه ربع قرن كاملاً؛ خمسة وعشرين عاماً كانت من أخصب أعوام حياته. خرج من الباب الضيق للحياة ممثلاً في التعليم بمدرسة قرية ابتدائية، ودخلها من أوسع أبوابها قاضياً في النَّبْك (وهي بلدة في جبال لبنان الشرقية، بين دمشق وحمص) ثم في دوما (من قرى دمشق)، ثم انتقل إلى دمشق فصار القاضي الممتاز فيها، وأمضى في هذا المنصب عشر سنوات، من سنة 1943 إلى سنة 1953، حين نُقل مستشاراً لمحكمة النقض، فمستشاراً لمحكمة النقض في الشام، ثم مستشاراً لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر.
كان قد اقترح -لمّا كان قاضياً في دوما- وضع قانون كامل للأحوال الشخصية، فكُلِّف بذلك عام 1947 وأوفد إلى مصر مع عضو محكمة الاستئناف الأستاذ نهاد القاسم (الذي صار وزيراً للعدل أيام الوحدة) فأمضيا تلك السنة كلها هناك، حيث كُلف هو بدرس مشروعات القوانين الجديدة للمواريث والوصية وسواها كما كُلف زميله بدرس مشروع القانون المدني. وقد أعد هو مشروع قانون الأحوال الشخصية كله وصار هذا المشروع أساساً للقانون الحالي وأُشير إلى ذلك في مذكرته الإيضاحية.
كان القانون يخوّل القاضي الشرعي في دمشق رياسة مجلس الأوقاف وعمدة الثانويات الشرعية، فصار علي الطنطاوي مسؤولاً عن ذلك كله خلال العشر السنين التي أمضاها في قضاء دمشق، فقرّر أنظمة الامتحانات في الثانويات الشرعية، وكانت له يدٌ في تعديل قانون الأوقاف ومنهج الثانويات، ثم كُلف عام 1960 بوضع مناهج الدروس فيها فوضعها وحده -بعدما سافر إلى مصر واجتمع فيها بالقائمين على إدارة التعليم في الأزهر- واعتُمدت كما وضعها.
في عام 1963 سافر علي الطنطاوي إلى الرياض مدرّساً في "الكليات والمعاهد" (وكان هذا هو الاسم الذي يُطلَق على كلّيتَي الشريعة واللغة العربية، وقد صارت من بعد جامعة الإمام محمد بن سعود). وفي نهاية السنة عاد إلى دمشق لإجراء عملية جراحية بسبب حصاة في الكلية عازماً على أن لا يعود إلى المملكة في السنة التالية، إلا أن عرضاً بالانتقال إلى مكة للتدريس فيها حمله على التراجع عن ذلك القرار.
وهكذا انتقل علي الطنطاوي إلى مكة ليمضي فيها (وفي جدّة) خمساً وثلاثين سنة، فأقام في أجياد مجاوراً للحرم إحدى وعشرين سنة (من عام 1964 إلى عام 1985)، ثم انتقل إلى العزيزية (في طرف مكة من جهة منى) فسكنها سبع سنوات، ثم إلى جدة فأقام فيها حتى وفاته في عام 1999.
بدأ علي الطنطاوي هذه المرحلة الجديدة من حياته بالتدريس في كلية التربية بمكة، ثم لم يلبث أن كُلف بتنفيذ برنامج للتوعية الإسلامية فترك الكلية وراح يطوف على الجامعات والمعاهد والمدارس في أنحاء المملكة لإلقاء الدروس والمحاضرات، وتفرَّغَ للفتوى يجيب عن أسئلة وفتاوى الناس في الحرم -في مجلس له هناك- أو في بيته ساعات كل يوم، ثم بدأ برنامجيه: "مسائل ومشكلات" في الإذاعة و"نور وهداية" في الرائي (والرائي هو الاسم الذي اقترحه علي الطنطاوي للتلفزيون) الذين قُدر لهما أن يكونا أطول البرامج عمراً في تاريخ إذاعة المملكة ورائيها، بالإضافة إلى برنامجه الأشهر "على مائدة الإفطار".
هذه السنوات الخمس والثلاثون كانت حافلة بالعطاء الفكري للشيخ، ولا سيما في برامجه الإذاعية والتلفازية التي استقطبت -على مرّ السنين- ملايين المستمعين والمشاهدين وتعلّقَ بها الناس على اختلاف ميولهم وأعمارهم وأجناسهم وجنسياتهم. ولم يكن ذلك بالأمر الغريب؛ فلقد كان علي الطنطاوي من أقدم مذيعي العالم العربي، بل لعله من أقدم مذيعي العالم كله؛ فقد بدأ يذيع من إذاعة الشرق الأدنى من يافا من أوائل الثلاثينيات، وأذاع من إذاعة بغداد سنة 1937، ومن إذاعة دمشق من سنة 1942 لأكثر من عقدين متصلين، وأخيراً من إذاعة المملكة ورائيها نحواً من ربع قرن متصل من الزمان.
شيخوخته ووفاته
آثر علي الطنطاوي ترك الإذاعة والرائي حينما بلغ الثمانين، فقد كبر وما عاد يقوى على العمل. وكان -قبل ذلك- قد لبث نحو خمس سنين ينشر ذكرياته في الصحف، حلقةً كل يوم خميس، فلما صار كذلك وقَفَ نشرَها (وكانت قد قاربت مئتين وخمسين حلقة) وودّع القرّاء فقال: "لقد عزمت على أن أطوي أوراقي، وأمسح قلمي، وآوي إلى عزلة فكرية كالعزلة المادية التي أعيشها من سنين، فلا أكاد أخرج من بيتي، ولا أكاد ألقى أحداً من رفاقي وصحبي".
ثم أغلق عليه باب بيته واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين يأتونه في معظم الليالي زائرين، فصار ذلك له مجلساً يطل من خلاله على الدنيا، وصار منتدى أدبياً وعلمياً تُبحث فيه مسائل العلم والفقه واللغة والأدب والتاريخ، وأكرمه الله فحفظ عليه توقّد ذهنه ووعاء ذاكرته حتى آخر يوم في حياته، حتى إنه كان قادراً على استرجاع المسائل والأحكام بأحسن مما يستطيعه كثير من الشبان، وكانت -حتى في الشهر الذي توفي فيه- تُفتتح بين يديه القصيدة لم يرَها من عشر سنين أو عشرين فيُتمّ أبياتَها ويبين غامضها، ويُذكَر العَلَم فيُترجم له، وربما اختُلف في ضبط مفردة من مفردات اللغة أو في معناها فيقول: هي كذلك، فيُفتَح "#تحويل القاموس المحيط" (وكان إلى جواره حتى آخر يوم في حياته) فإذا هي كما قال!
ثم ضعف قلبه في آخر عمره فأُدخل المستشفى مرات، وكانت الأزمات متباعدة في أول الأمر ثم تقاربت، حتى إذا جاءت السنة الأخيرة تكاثرت حتى بات كثيرَ التنقل بين البيت والمستشفى. ثم أتم الله قضاءه فمضى إلى حيث يمضي كل حي، وفاضت روحه -عليها رحمة الله- بعد عشاء يوم الجمعة، 18 حزيران عام 1999م الموافق 4 ربيع الأول 1420 هـ، في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بجدة، ودُفن في #تحويل مكة في اليوم التالي بعدما صُلّي عليه في الحرم المكي الشريف.
المصدر : وكيبيديا الموسوعة الحرة
مؤلفات الشيخ على الطنطاوي
ترك علي الطنطاوي عداً كبيراً من الكتب، أكثرها يضم مقالات مما سبق نشره في الصحف والمجلات، وهذه هي أهم مؤلفاته (مرتبة هجائياً، مع سنوات صدور الطبعة الأولى منها):
أبو بكر الصديق (1935)
أخبار عمر (1959)
أعلام التاريخ (1-7) (1960)
بغداد: مشاهدات وذكريات (1960)
تعريف عام بدين الإسلام (1970)
الجامع الأموي في دمشق (1960)
حكايات من التاريخ (1-7) (1960)
دمشق: صور من جمالها وعِبَر من نضالها (1959)
ذكريات علي الطنطاوي (8 أجزاء) (1985-1989)
رجال من التاريخ (1958)
صور وخواطر (1958)
صيد الخاطر لابن الجوزي (تحقيق وتعليق) (1960)
فتاوى علي الطنطاوي (1985)
فصول إسلامية (1960)
فِكَر ومباحث (1960)
في أندونيسيا (1960)
في سبيل الإصلاح (1959)
قصص من التاريخ (1957)
قصص من الحياة (1959)
مع الناس (1960)
مقالات في كلمات (1959)
من حديث النفس (1960)
من نفحات الحرم (1960)
هُتاف المجد (1960)
وقد نشر حفيده، مجاهد مأمون ديرانية، بعد وفاته عدداً من الكتب التي جمع مادتها من مقالات وأحاديث لم يسبق نشرها، وهي هذه الكتب:
فتاوى علي الطنطاوي (الجزء الثاني) (2017)
فصول اجتماعية (2017)
نور وهداية (2017)
فصول في الثقافة والأدب (2017)
فصول في الدعوة والإصلاح (2017)
البواكير (2017)
الف شكر وتقدير لك اخي على السيرة الذاتية للشيخ علي الطنطاوي وصوره
دمت متالق نهرنا
مودتي
يسلمو بدر
مجهود رائع منك أخى
تحياتى
على الطنطاوي – السيرة الذاتية للشيخ على الطناوي – صور على الطنطاوي
يعطيك العوافي
مودتي