تخطى إلى المحتوى

حديث يزيل الهم والغم 2024.

خليجية

حديث يزيل الهم والغم
ابن قيّم الجوزية
في المسند وصحيح أبي حاتم من حديث عبدالله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب عبدا هم ولا حزن, فقال اللهم : اني عبدك, وابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماضى فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك, أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك, أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همّي وغمّي, الا أذهب الله همّه وغمّه, وأبدله مكانه فرحا".. قالوا يارسول الله أفلا نتعلّمهن؟ قال: "بلى, ينبغي لمن سمعهن أن يتعلّمهن".
صححه الألباني في الكلم ص81.
تضمّن هذا الحديث العظيم أمورا من المعرفة والتوحيد والعبوديّة. منها أن الداعي به صدّر سؤاله بقوله: "اني عبدك ابن عبدك ابن أمتك", وهذا يتناول من فوقه من آبائه وأمهاته الى أبويه آدم وحوّاء, وفي ذلك تملّق (تودد وتلطّف) له واستخذاء بين يديه واعترافه بأنه مملوكه وآبائه مماليكه وان العبد ليس له باب غير باب سيّده وفضله واحسانه, وأن سيّده ان أهمله وتخلّى عنه هلك, ولم يؤوه أحد ولم يعطف عليه, بل يضيع أعظم ضيعة. وتحت هذا الاعتراف: أني لا غنى عنك طرفة عين, وليس لي أن أعوذ به وألوذ به غير سيّدي الذي أنا عبده, وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه مربوب مدبّر مأمور منهي, انما يتصرّف بحكم العبوديّة لا بحكم الاختيار لنفسه.
فليس هذا في شأن العبد بل شأن الملوك والأحرار.
وأمّا العبيد فتصرّفهم على محض العبوديّة فهؤلاء عبيد الطاعة المضافون اليه سبحانه في قوله:
{ انّ عبادي ليس لك عليهم سلطان} الحجر 42,
وقوله:{ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} الفرقان 63,
ومن عداهم عبيد القهر والربوبية, فاضافتهم اليه كاضافة سائر البيوت الى ملكه, واضافة أولئك كاضافة البيت الحرام اليه, واضافة ناقته اليه وداره التي هي الجنة اليه, واضافة عبودية رسوله اليه بقول:
{ وأنّه لمّا قام عبد الله يدعوه}. الجن 19.

من معاني العبوديّة

وفي التحقيق بمعنى قوله "اني عبدك" التزام عبوديته من الذل والخضوع والانابة, وامتثال أمر سيّده, واجتناب نهيه, ودوام الافتقار اليه, واللجوء اليه, والاستعانة به, والتوكّل عليه, وعياذ العبد به, ولياذه به, أن لا يتعلّق قلبه الا بغيره محبّة وخوفا ورجاء.

وفيه أيضا أني عبد من جميع الوجوه: صغيرا وكبيرا, حيّا وميّتا, مطيعا وعاصيا, معافى ومبتلى القلب واللسان والجوارح.

وفيه أيضا أن مالي ونفسي ملك لك, فان العبد وما يمتلك لسيّده.

وفيه أيضا انك أنت الذي مننت عليّ بكلّ ما أما فيه من نعمة فذلك كلّه من انعامك على عبدك.

وفيه أيضا اني لا أتصرّف فيما خوّلتني من مالي ونفسي الا بأمرك, كما لا يتصرّف العبد الا باذن سيّده, واني لا أملك لنفسي نقعا ولا ضرّا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فان صحّ له شهود ذلك فقد قال لي اني عبدك حقيقة.

ثم قال" ناصيتي بيدك", أي أنت المتصرّف في تصرّفي كيف تشاء, لست أنا المتصرّف في نفسي.

وكيف يكون له في تصرّف من نفسه بيد ربه وسيده وناصيته بيده وقلبه بين أصبعين من أصابعه, وموته وحياته وسعادته وشقاؤه وعافيته وبلاؤه كله اليه سبحانه, ليس الى العبد منه شيء, بل هو في تصرّف سيّده أضعف من مملوك ضعيف حقير, ناصيته بيد سلطان قاهر, مالك له تحت تصرّفه وقهره بل الأمر فوق ذلك.

ومتى شهد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء, لم يخفهم بعد ذلك, ولم يرجهم, ولم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين , المتصرّف فيهم سواهم والمدبّر لهم غيرهم, فمن شهد نفسه بهذا المشهد, صار فقره وضرورته الى ربا وصفا لازما له, ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر اليهم, ولم يعلّق أمله ورجاءه بهم, فاستقام توحيده, وتوكّله وعبوديته. ولهذا قال هود لقومه:{ اني توكّلت على الله ربي وربّكم ما من دابّة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم} هود56.

وقوله :"ماض فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك" تضمّن هذا الكلام أمرين:
أحدهما: مضاء حكمه في عبده.
ثانيهم: يتضمّن حكمه وعدله وهو سبحانه له الملك وله الحمد, وهذا معنى قول نبيّه هود:
{ ما من دابّة الا هو آخذ بناصيتها}, ثم قال: {ان ربي على صراط مستقيم} أي مع كونه قاهرا مالكا متصرّفا في عباده, نواصيهم بيده فهو على صراط مستقيم.

وهو العدل الذي يتصرّف به فيهم فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله وقضائه وقدره ونهيه وثوابه وعقابه.

فخبره كله صدق, وقضاؤه كلّه عدل, وأمره كله مصلحة, والذي نهى عنه كله مفسدة, وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله, ورحمته وعقابه لمن يستحق له العقاب بعله وحكمته.

القضاء والحكم والفرق بينهما
وفرق بين الحكم والقضاء, وجعل المضاء للحكم, والعدل للقضاء, فان حكمه سبحانه يتناول حكمه الديني الشرعي, وحكمه الكوني القدري.

والنوعان نافذان في العبد ماضيان فيه, وهو مقهور تحت الحكممين, قد مضيا فيه, ونفذا فيه, شاء أم أبى, لكن الحكم الكوني لا يمكنه مخالفته, أما الديني الشرعي فقد يخالفه.

ولما كان القضاء هو الاتمام والاكمال, وذلك انما يكون بعد مضيه ونفوذه, قال:" عدل في قضاؤك" أي الحكم الذي أكملته وأتممته ونفّذته في عبدك عدل منك فيه.

أما الحكم فهو يحكم به سبحانه وقد يشاء تنفيذه وقد لا ينفذه, فان كان حكما دينيا فهو ماض في العبد, وان كان كونيا فان نفذه سبحانه مض فيه, وان لم ينفّذه اندفع عنه, فهو سبحانه يقضي ما يقضي به. وغيره قد يقضي بقضاء ويقدّر أمرا لا يستطيع تنفيذه. وهو سبحانه يقضي ويمضي فله القضاء والامضاء.

وقوله:" عدل في قضاؤك" يتضمن جميع أقضيته في عبده من كل الوجوه, من صحة وسقم, وغنى وفقر, ولذّة وألم, وحياة وموت, وعقوبة وتجاوز وغير ذلك. قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى 30, وقال:{ وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فانّ الانسان كفور} الشورى 48.
فكل ما يمضي على العبد فهو عدل فيه.

أقوال الطوائف في القدر والعدل:

فان قيل: فالمعصية عندكم بقضائه وقدره! فما وجه العدل في قضائها؟ فان العدل في العقوبة عليها غير ظاهر. قيل: هذا سؤال له شأن, ومن أجله زعمت طائفة أن العدل هو المقدور, والظلم ممتنع لذاته. قالوا: لأن الظلم هو التصرّف في ملك الغير والله له كل شيء. فلا يكون تصرّفه في عبده الا عدلا.

وقالت طائفة : بل العدل أنه لايعاقب على ما قضاه وقدره, فلمّا حسن منه العقوبة على الذنب عُلم أنّه ليس بقضائه وقدره, فيكون العدل هو جزاؤه على الذنب بالعقوبة والذم اما في الدنيا واما في الآخرة. وصعب على هؤلاء الجمع بين العدل والقدر, فزعموا أن من أثبت القدر لم يمكنه أن يقول بالعدل, ومن قال بالعدل لم يمكنه أن يقول بالقدر. كما صعب عليهم الجمع بين التوحيد واثبات الصفات, فزعموا أنهم لا يمكنهم اثبات التوحيد الا بانكار الصفات, فصار توحيدهم تعطيلا وعدلهم تكذيبا بالقدر.

وأما أهل السنة فهم مثبتون للأمرين, والظلم عندهم هو وضع الشيء في غير موضعه كتعذيب المطيع ومن لا ذنب له, وهذا قد نزّه الله نفسه عنه في غير موضع من كتابه كقوله تعالى في سورة يونس الآية 44:{ ان الله لا يظلم شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}., وهو سبحانه وان ضلّ من شاء, وقضى بالمعصية وألغى من شاء, فذلك محض العدل فيه, لأنه وضع الاضلال والخذلان في موضعه اللائق به,وكيفلاومن أسمائه الحسنى العدل., الذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق, وهو سبحانه قد أوضح السبل, وأرسل الرسل, وأنزل الكتاب, وأزاح العلل, ومكّن من أسباب الهداية والطاعة بالأسماع والأبصار والعقول, وهذا عدله, ووفّق من يشاء بمزيد عناية, وأراد من نفسه أن يعينه ويوفّقه, فهذا فضله, وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وفضله, وخلى بينه وبين نفسه, ولم يرد سبحانه من نفسه أن يوفّقه, فقطع عنه فضله, ولم يحرمه عدله. وهذا نوعان:

(أحدهما) ما يكون جزاء منه للعبد على اعراضه عنه, وايثاره عدوه في الطاعة, والموافقة عليه, وتناسي ذكره وشكره, فهو أهل أن يخذله ويتخلى عنه.

(ثانيهما) أن لا يشاء له ذلك ابتداء لما يعلم منه أنه لا يعرف قدر نعمة الهداية, ولا يشكره عليه,ولا يثني عليه بها,ولا يحبه, فلا يشاؤها له لعدم صلاحية محله.

قال تعالى:{ وكذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله أعلم بالشاكرين} الأنعام 53, وقال:{ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم } الأنفال22.
فاذا قضى بهذه النفوس بالضلال والمعصية, كان ذلك محض العدل, كما قضى على الحيّة بأن تقتل وعلى العقرب وعلى الكلب العقور, وكان ذلك عدل فيه, وان كان مخلوقا على هذه الصفة. وقد استوفينا الكلام في هذا في كتابنا القضاء والقدر, اسمه "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.

والمقصود أن قوله صلى الله عليه وسلم:" ماض فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك", رد على الطائفتين, القدريّة الذين ينكرون عموم أقضية الله في عبده, ويخرجون أفعال العباد عن كونها بقضائه وقدره, ويردون القضاء الى الأمر والنهي. وعلى الجبريّة الذين يقولون: كل مقدور عدل, فلا يبقى لقوله" عدل فيّ قضاؤك" فائدة, فان العدل عندهم كل ما يمكن فعله والظلم هو المحال لذاته, فكأنه قال: ماض ونافذ فيّ قضاؤك. وهذا هو الأول بعينه.

التوسل باسمائه تعالى :

وقوله "أسألك بكل اسم" الى آخره, توسل اليه بأسمائه كلها ما علم العبد منها وما لم يعلم. وهذه أحب الوسائل اليه, فانها وسيلة بصفاته وأفعاله التي هي مدلول أسمائه.

وقوله: "أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري" الربيع : المطر الذي يحيي به الأرض. شبّه القرآن به لحياة القلوب به. وكذلك شبهه الله بالمطر, وجمع بين الماء الذي تحصل به الحياة, والنور الذي تحصل به الانارة والاشراق, كما جمع بينهما سبحانه في قوله:{ أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار وابتغاء حلية…}الرعد17, وقوله:{ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} البقرة 17, ثم قال:{ أو كصيّب من السماء} البقرة 19, وفي قوله :{ الله نور السموات والأرض….} النور 35, ثم قال:{ ألم ترى أن الله يجزي سحابا ثم يؤلّف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزّله من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} النور43, فتضمّن الدعاء أن يجيي قلبه بربيع القرآن وأن ينوّر به صدره فتجتمع له الحياة والنور. قال تعالى: { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به بين الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} الأنعام122.

ولما كان الصدر أوسع من القلب, كان النور الحاصل له يسري منه الى القلب, لأنه قد حصل لما هو أوسع منه. ولما كانت حياة البدن والجوارح, كلها بحياة القلب, تسري الحياة منه الى الصدر, ثم الى الجوارح سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادّتها. ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حيا ة القلب واستنارته, سأل أن يكون ذهابها بالقرآن, فانها أحرى ألا تعود, وأما أنها ذهبت بغير القرآن من صحةأو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد, فانها تعود بذهاب ذلك. والمكروه الوارد على القلب ان كان من أمر ماض أحدث الحزن, وان كان من مستقبل أحدث الهم, وان كان من أمر حاضر أحدث الغم, والله أعلم.
المصدر :
كتاب الفوائد للامام الجليل شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيّم الجوزية

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

جزاك الله كل خير اخى اسلام على الطرح الرائع للحديث والشرح المميز

جزاك الله الفردوس الاعلى

الله يعطيك الف عافيه ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

تحياتى ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

خليجية

بلاك لاين

كم اسعدنى مرورك العطر

خليجية

جزاك الله الف خيرر ..
وجعلها في ميزان حسناتك يارب ..
احترامي لك ..

يسسسسسسسسلمو

يعطيك العافيه على الطرح الموفق..

الله يحــــــــــرمنا جديدك

تحيااتي..

جزاك الله خييييير ..
وجعلها في ميزان حسناتك يارب ..

خليجية

أمل

كم اسعدنى مرورك العطر

خليجية

خليجية

أنثى

كم اسعدنى مرورك العطر

خليجية

خليجية

حلم وردى

تشرفت بمرورك العطر

خليجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آسٌِِّلآمً

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.