تخطى إلى المحتوى

الصدمـة التي خيبــت روعـة الآمــال !! 2024.

الصدمـة التي خيبــت روعـة الآمــال !!

( قصــة قصيــرة )
الصدمـة التي خيبــت روعـة الآمــال !!
قـــــال :
الكل يجتهد فوق سطح البسيطة ليكسب معركة البقاء والحياة .. يريد النجاح في كل خطوة من خطوات المشوار الذي يعني رسالة الإنسان .. وإذا استحال تحقيق كامل الأمنيات فإنه يجتهد في نيل القدر المستطاع بالقدر المتاح .. وذلك المزارع حين يضع البذرة في التربة يضع الآمال في الحصاد والثمار .. ويعلم جيداَ أن المردود لا يكون إلا بذلك الجهد والكفاح .. ولذلك فإنه يداوم الليل والنهار لتحقيق الغاية المنشودة .. بالرعاية المتواصلة وبالمثابرة والمراقبة .. وأكثر المخاوف التي تقلق المزارع هو ذلك الإخفاق والفشل في نهاية المطاف لسبب من الأسباب .. فقد ترفض الأرض وتأبى أن تعطي الإنتاج حين تفقد الخصوبة .. وقد يغور الماء ويستحيل السقي .. وقد تتفشى الأوبئة والأمراض .. وقد تفسد الثمار لسبب من الأسباب .. وقد تنزل هجمات الجراد القاسية .. وأسباب أخرى كثيرة قد تخيب آمال المزارع .. وحين لا يكون الحصاد ولا تكون الثمار تقع الأوجاع .. ويضيع الجهد والآمـال .. فالثمار تعني عدة الخير التي تتوج النهايات بالفرحة الكبرى والسعادة .. وللإنسان في حياته زراعة أخرى غير زراعة الأشجار والنباتات .. وهي زراعة الإنسان للإنسان .. تلك الغاية السامية العالية التي تعني مواصلة رسالة الأب آدم في تعمير هذه الأرض .. غاية الغايات في مسار الإنسان .. وروعة اللحظات تتمثل حين تطل ثمرة الحصاد في الوجود .. هؤلاء الأبناء والبنات زينة الحياة الدنيا .. وقمة المساند القوية عند الحاجة يوماَ .. فالآباء دائماَ يرون الأبناء ذخراَ عظيماَ وكنزاَ غالياَ يشكل تلك الدعامات القوية في حالات الضعف والهرم وانحناء الظهر في يوم من الأيام .. تلك المدخرات العظيمة التي تريح البال وتجلب السعادة .. وذلك هو ( أبو علي ) حين تفاخر يوماَ بابنه وقال : ( متى يا على تكبر حتى تشيل الهم عني وتخفف عني تلك الأثقال ؟؟ ) .. وتلك الكلمات القليلة المعبرة هي موجودة في لسان الكثير من الآباء والأمهات .. ولكن لثمار الزروع عيوبها كما لثمار البشر عيوبها .. فذلك الأب يقول : كان يفرح قلبي حين يتواجد ابني بجواري .. ويطرب فؤادي حين تراه عيني .. فأنظر في عينيه لأرى نفسي في نفسي .. وكأنني أنظر في مرآة .. وحينها تغمر السعادة وجداني .. فهو مني وملكي وقرة عيني .. يكبر سنة بعد سنة وكل سنة تعني غاية عيدي .. فأجتهد كثيراَ لأوجد له راحة البال والحياة .. وأمهد له الدرب حتى لا يشقي حين يكبر .. والنفس تطمئن الذات وتقول : هو ذاك سندي بعد الله في مستقبل الأيام .. وهو ذلك الحائط الساتر حين تبدو عيوب الوهن والضعف .. وهو ذلك المجبور على حمل أثقالي حين ينوء ظهري .. ومرت الحياة عادية بمرارتها وحلاوتها .. وكبر الابن وأصبح شاباَ يملاَ العين .. وأصبح رجلا يجلب الفخر .. وكلما يكتمل في مراحل النضوج يزداد فرحي وأنام مرتاح البال لأن تلك الأثقال شارفت أن تزاح من فوق كاحلي .. ولكن ذات يوم سمعت الصرخات في داخل الدار فركضت للداخل لأرى الحاصل .. فوجدته يتشاجر مع أخواته ويضربهن ويعاملهن بقسوة شديدة .. والأسباب واهية هي تلك الخلافات العادية .. التي تحدث في بعض الأحيان بين الإخوان والأخوات .. أو بين الإخوان والإخوان .. أو بين الأخوات والأخوات .. فتدخلت لأفض الشجار وإطفاء المشكلة .. ولكنه تمادى في تصرفاته بطريقة غريبة .. وكان منفعلاَ يضرب الأخوات باليمين والشمال .. كما كان يستخدم الركلات بالأرجل .. أمرته بالتوقف ولكنه رفض أن يستسلم .. وتمادى في الشجار دون أي اعتبار لتواجدي .. ودون أي اعتبار لأوامري .. وحين رفض الانصياع والتوقف عن تصرفاته تلك العنيفة زجرته ونهرته بشده .. ولكنه زجرني ونهرني بالأشد والأقسى .. ورفع صوته فوق صوتي .. وحينها سقط كل قلاع الآمال في قلبي .. وانهارت جدر الأمان والاطمئنان في مستقبل أيامي .. وأظلمت الدنيا أمام عيني .. فدخلت غرفتي وجلست هنالك وحيداَ .. وبكيت طويلاً .. ومن تلك اللحظات فقدت ابني في ساحة قلبي .. ولا أجده إطلاقاَ في زمرة الآخرين في حياتي .. وفي غمرة الأحزان ناشدتني النفس وعاتبني حين قالت أنت توهمت السراب ليكون لك ذلك الابن سنداَ في أيامك الأخيرة .. والحقيقة أن تلك الأثقال أنت حاملها فوق ظهرك إلى مشارف القبور .. وبالرغم من أن الابن جاء بعد ذلك الحدث يطلب العفو مني وقد عفوت عنه قبل أن يكمل جملته .. إلا أن نفسي أبت أن توجد الصفاء والنقاء كسابق العهد !!.. ومن ذلك اليوم تبدلت الأحوال في ساحة قلبي .. فلا يفرح قلبي حين يتواجد ابني في الساحة ولا يحزن قلبي حين يغيب !!.. وهو ذلك الرمز المفقود فجأة من سيرة حياتي .. لا يطرب القلب لسيرته ولا ينشغل الذهن بأحواله .. وكأنه لا يربطني به صلة !! .. وبالرغم من أنني ناضلت نفسي كثيراَ لتتخطى آثار تلك الواقعة إلا أنها أبت كلياَ .. أقول لها يا نفسي ذاك هو أبنك وفلذة كبدك .. فتنظر النفس في حيرة إلى الرمز ثم تتحول عنه !! .. فالصدمة كانت عنيفة للغاية .. وتركت آثارها العميقة .. تلك الآثار التي مثلت خدشاَ في صفحة المرآة الصافية .. صبغة قاتلة لونت صفاء المياه وأبت أن تزال .. وصدق العليم الخبير حين قال ( ولا تنهرهما !! ) .. فتلك النهرة والزجرة آثارها قاتلة .. والنصيحة الغالية لكل ابن أو بنت إياكم ورفع الأصوات فوق أصوات الآباء والأمهات مهما كانت المبررات .. فتلك مردودها مهلكة ومدمرة لأنفس تحب بقوة ثم تنهار بقوة !! .


( القصة للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.