د. بدر عبد الحميد هميسه
بسم الله الرحمن الرحيم
الخشوع في الصلاة هو سر قبولها وذروة سنامها , لا يتصف به إلا من خامر الإيمان بشاشة قلبه , وملك عليه اليقين مشاعره ولبه , قال تعالى : "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) سورة المؤمنون .
ولا يعرف قيمة الخشوع إلا من أحسه وعايشه , قال تعالى : "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) سورة البقرة.
ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن أول ما يرفع من الأمة الخشوع حتى يندر الخاشعون , عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ذَاتَ يَوْمٍ ، فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا أَوَانُ الْعِلْمِ أَنْ يُرْفَعَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ : أَيُرْفَعُ الْعِلْمُ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَفِينَا كِتَابُ اللهِ ، وَقَدْ عَلَّمْنَاهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ ضَلاَلَةَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا مَا عِنْدَهُمَا مِنْ كِتَابِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ. فَلَقِيَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ بِالْمُصَلَّى ، فَحَدَّثَهُ هَذَا الْحَدِيثَ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، فَقَالَ : صَدَقَ عَوْفٌ ، ثُمَّ قَالَ : وَهَلْ تَدْرِي مَا رَفْعُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لاَ أَدْرِي، قَالَ : ذَهَابُ أَوْعِيَتِهِ ، قَالَ : وَهَلْ تَدْرِي أَيُّ الْعِلْمِ أَوَّلُ أَنْ يُرْفَعَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لاَ أَدْرِى ، قَالَ : الْخُشُوعُ ، حَتَّى لاَ تَكَادَ تَرَى خِاشَعًا. أخرجه أحمد 6/26(24490) و"البُخَارِي" في "خلق أفعال العباد"42 و"النَّسائي" في "الكبرى"5879 انظر حديث رقم : 2569 في صحيح الجامع .
قال : قال حذيفة : أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة.المصنف 8/202.
وحينما عرف صلى الله عليه وسلم اللص الحقيقي أخبرنا أنه الذي يسرق من الصلاة ,عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ ؟ قَالَ : لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلاَ سُجُودَهَا ، أَوْ قَالَ : لاَ يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.أخرجه أحمد 5/310 (23019) و"الدارِمِي" 1328 و"ابن خزيمة" 663 حديث رقم : 986 في صحيح الجامع .
والخشوع كما عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية : يتضمن معنيين . أحدهما: التواضع والذل . والثاني : السكون والطمأنينة. وذلك مستلزم للين القلب المنافي للقسوة ، فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله وطمأنينته أيضا، ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمن هذا وهذا التواضع والسكون.
وعن ابن عباس في قوله- تعالى- : { الذين هم في صلاتهم خاشعون}. قال : "مخبتون أذلاء". وعن الحسن وقتادة : "خائفون "وعن مقاتل : " متواضعون", وعن على :" الخشوع في القلب وان تلين للمرء المسلم كنفك ولا تلتفت يمينا ولا شمالاً.وقال مجاهد:"غض البصر وخفض الجناح" . راجع : مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 28
فالخشوع هو حضور الذهن فيما يقوله ويفعله المصلى ومعرفه حق من يقف أمامه ويناجيه مما يؤدى إلى تذلل القلب وخضوعه إقراراً لهذا الحق ومن ثم اطمئنان الجوارح وسكينتها.
قال الشاعر:
إنَّ الْمَلِيكَ قَدِ اصْطَفَى خُدَّامًا = مُتَوَدِّدِينَ مُواطِئِينَ كِرَامَا
رُزِقُوا الْمَحَبَّةَ وَالْخُشُوعَ لِرَبِّهِمْ = فَتَرَى دُمُوَعَهُمْ تَسِحُّ سِجَامَا
يُحْيُونَ لَيْلتَهُمْ بِطُولِ صَلَاتِهِمْ = لَا يَسْأَمُونَ إِذَا الْخَلِيُّ نَامَا
قَوْمٌ إِذَا رَقَدَ الْعُيُونُ رَأَيْتَهُمْ = صَفُّوا لِشِدَّةِ خَوْفِهِ أَقْدَامَا
وَتَخَالَهُمْ مَوْتَى لِطُولِ سُجُودِهِمْ = يَخْشَوْنَ مِنْ نَارِ الْإِلَهِ غَرَامَا
شُغِفُوا بِحُبِّ اللهِ طُولَ حَيَاتِهِمْ = فَتَجَنَّبُوا لِوِدَادِهِ آثَامَا"
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ ذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " أَنَّ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ لَيُحَاسَبُ بِصَلاَتِهِ ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا ، قِيلَ لَهُ : لِمَ نَقَصْتَ مِنْهَا ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ سَلَّطْتَ عَلَيَّ مَلِيكًا شَغَلَنِي عَنْ صَلاَتِي ، فَيَقُولُ : قَدْ رَأَيْتُكَ تَسْرِقُ مِنْ مَالِهِ لِنَفْسِكَ ، فَهَلاَّ سَرَقْتَ لِنَفْسِكَ مِنْ عَمَلِكَ ، أَوْ عَمَلِهِ ؟ قَالَ : فَيَتَّخِذُ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ.أخرجه أحمد 2/328(8335).
ولكي يخشع المسلم في صلاته لا بد له من أمور كثيرة يجب أن يراعيها منها :
1- انتظار الصلاة بعد الصلاة :
من الأمور المهمة لكي يتحقق الخشوع في الصلاة أن يتهيأ المسلم نفسياً وبدنياً للصلاة , وأن يفرغ نفسه تماماً لها , تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يحدثنا ونحدثه ويكلمنا ونكلمه، فإذا حضرت الصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه.
لذا فقد كره الإسلام في حضرة الطعام والإنسان جائع , وعند مدافعة الأخبثين ( البول والغائط ) عَن إِيَاسِ بن سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ ، عَن أبيه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:إذا حضرت الصلاة والعشاء , فابدؤوا بالعشاء.أخرجه أحمد 4/49(16636).
وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ وَهُوَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ. أخرجه الحاكم (1/274 ، رقم 599) و أحمد (6/73 ، رقم 24493).
ومن تهيئة المسلم لنفسه للصلاة أن يتوضأ ويسبغ الوضوء وذلك يتطلب وقتا كافياً قبل الصلاة , وهو جهاد من أعظم الجهاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ.)". أخرجه أحمد 2/235(7208) ((مسلم)) 1/151(508) و((التِّرمِذي)) 51.
وكذا الحرص على السواك وتنظيف الفم عند الصلاة , عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ .أخرجه أحمد 4/114و"أبو داود" 47.
والحرص على الذهاب مبكرا إلى المسجد , لأن في ذلك أجر وثواب عظيم ,عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا وَرَاحَ.)".أخرجه البُخاري (662) و((مسلم)) 1469 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ ، إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً ، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً. ".أخرجه مسلم 2/131.
وكذلك تهيئة المكان من كل ما من شأنه أن يشغل المرء ويلهيه عن الصلاة , عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمِيصَةٍ ذَاتِ عَلَمٍ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي. متفق عليه.
لذا كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يدع في موضع الصلاة مصحفا ولا سيفا إلا نزعه ولا كتابا إلا محاه.
وصلى رجل في حائط له والنخل مطوقة بثمرها فنظر إليها فأعجبته ولم يدر كم صلى فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه وقال هو صدقة فاجعله في سبيل الله عز وجل . إحياء علوم الدين 1/164.
وأيضاً أن يردد الأذان مع المؤذن ويدعو بعده , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أًنهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ؛إِذَا سمعتُمُ الْمُؤَذِّنَ ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً ، صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ ، حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ. أخرجه أحمد 2/168(6568) و"مسلم" 2/4(778) .
وكذلك الحرص على تكبيرة الإحرام مع الإمام , قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يديك منه , وذُكر عن التابعي الجليل سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى أنه ما فاتته تكبيرة الإحرام نحو أربعين عاما، لأنه ما كان يصلي في المسجد النبوي إلا في الصف الأول، وقال وكيع رحمه الله تعالى: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى واختلفنا إليه قريبا من سبعين فما رأيته يقضي ركعة . صفة الصفوة لابن الجوزي (2/69).
سئل الإمام حاتم الأصم كيف أنت إذا دخلت الصلاة يا حاتم؟ فقال رضي الله عنه: إذا دخلت الصلاة جعلت الكعبة أمامي، والموت ورائي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والله مطلع علي، ثم أتم ركوعها وسجودها، فإذا سلمت لا أدري أقبلها الله أم ردها علي.
ولعلنا سمعنا قصة عروة بن الزبير رضي الله عنه الذي أصيب ساقه بالسرطان، فقال الأطباء له: لا علاج لها إلا قطعُها، فماذا يفعل؟ إنه أمام القضاء والقضاء، قضاء الله، ولا حيلة إلا الصبر، وأراد الأطباء أن يعطوه شيئاً يخدرونه حتى لا يشعر بألم القطع، فقال عروة: والله لا أتعاطى شيئاً يغيب عقلي عن ذكر الله تبارك وتعالى. ثم قال لهم: إذا دخلت في الصلاة وجلست لقراءة التشهد فاقطعوا ساقي فإني عندما أكون بين يدي الله، لا يكون في قلبي إلا الله تبارك وتعالى. ودخل عروة الصلاة، وكانت صلاته من نماذج فريدة.راجع القصة بتمامها في : ( مختصر تاريخ دمشق 5/275).
فكل هذه الأمور تهيئ المؤمن للإقبال على الصلاة وهو مستعد لها بدنيا ونفسيا وقلبياً.
قال الشاعر :
غَلَبَ الشوقُ رَهْبَتي ، وصِرَاعٌ = في فُؤادِي يَغيبُ ثُمَّ يَعُودُ
كُلَّما لَجَّ في فُؤادِيَ شَوْقٌ = دَفَعَ الشَّوْقُ رَهْبَتي فَتَزيدُ
وإذا بالخُشُوعِ يَرْفَعُ أَشْوَا = قي فَتَصْفُو وتَرْتَقي فَتَجُودُ
وكان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة، وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم أتدرون من إلى من أقوم، ومن أريد أن أناجي».حلية الأولياء 3/133.
بل عليه أن يصلي صلاة مودع فيتخيل أنه بهذه الصلاة يودع الحياة والأحياء , عن إسماعيل بن محمد بن سعد الأنصاري ، عن أبيه ، عن جده ، أن رجلا من الأنصار قال : يا رسول الله أوصني وأوجز قال : « عليك بالإياس مما في أيدي الناس ، وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر ، وصل صلاتك وأنت مودع ، وإياك وما يعتذر منه »أخرجه الحاكم (4/362 ، رقم 7928) وقال : صحيح الإسناد . والبيهقى في كتاب الزهد (2/86 ، رقم 101) . قال المناوى (4/329) : قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه محمد بن سعد وهو مضعف .
وعليه وهو في صلاته أن لا ينشغل بشيء سوى الصلاة ومناجاة العزيز الجبار المتكبر ,عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ:بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ.ى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللهِ ، مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. أخرجه أحمد 5/447و"الدارِمِي" 1502 و"البُخَارِي" في "خلق أفعال العباد" 26 و"مسلم"2/70(1136) و7/35(5873) .
والخشوع ليس بطأطأة الرأس لكنه نور يقذف في القلب وإيمان يستقر في الوجدان , عن أبى الدرداء قال : استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال أن يرى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع . أخرجه ابن عساكر (47/183) .
ونَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى شَابٍّ قَدْ نَكَّسَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا هَذَا ! ارْفَعْ رَأْسَكَ ؛ فَإِنَّ الْخُشُوعَ لا يَزِيدُ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ ، فَمَنْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ خُشُوعًا فَوْقَ مَا فِي قَلْبِهِ ؛ فَإِنَّمَا أَظْهَرَ نِفَاقًا عَلَى نِفَاقٍ. ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 4/474.
وكان حذيفة رضي الله عنه يقول : إياكم وخشوع النفاق فقيل له : وما خشوع النفاق قال : أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع . وقال الفضيل بن عياض : كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه . ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن فقال : يا فلان ، الخشوع هاهنا وأشار إلى صدره ، لا هاهنا وأشار إلى منكبيه . ابن القيم : مدارج السالكين 1/521.
ذكر شمس الدين ابن القيم رحمه الله أنواع البكاء في كتابه:’زاد المعاد’ قال:’ والثامن: بكاء النفاق، وهو أن تدمع العين والقلب قاس، فيظهر صاحبه الخشوع، وهو من أقسى الناس قلباً ، وقد رأى بعضهم رجلاً خاشع المنكبين والبدن فقال: يا فلان الخشوع هاهنا !! وأشار إلى قلبه، لا هاهنا وأشار إلى منكبيه’ . انظر المدارج 1/521-524 .
روي أن أحدهم مر برجل يبيع التفاح فلما ذهب يصلي انشغل به فلما سلم من صلاته حجلس يبكي فسألوه عن سبب بكائه فقال تذكرت التفاح ونسيت الفتاح .
3- قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين :
من أسباب الخشوع في الصلاة أن يتدبر المسلم في أذكار الصلاة فيعرف ماذا يقرأ ويستشعر أنه يخاطب ربه وأن الله يخاطبه , قال أبو هريرة رضي الله عنه : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : "الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : "الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.)". أخرجه ((أحمد)) 2/241(7289) و((البُخاري)) في (( القراءة خلف الإمام)) 11 و77 و((مسلم)) 807 و((التِّرمِذي)) 2953 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.)".أخرجه ((البُخاري)) 780 و((مسلم)) 845 .
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ:قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : الْحَمْدُ ِللهِ حَمْدًا كَثِيرًا ، طَيِّبًا ، مُبَارَكًا فِيهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ صَاحِبُ الْكَلِمَةِ ؟ فَسَكَتَ ، وَرَأَى أَنَّهُ هَجَمَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ كَرِهَهُ ، فَقَالَ : مَنْ هُوَ ؟ فَلَمْ يَقُلْ إِلاَّ صَوَابًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا ، أَرْجُو بِهَا الْخَيْرَ ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، رَأَيْتُ ثَلاَثَةَ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَ أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا إِلَى اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ.أخرجه البُخَارِي ، في (الأدب المفرد) 691.
قال ابن جرير رحمه الله : " إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله ( أي : تفسيره ) كيف يلتذ بقراءته " مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر 1/10. جاء أنه صلى الله عليه وسلم " قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهي :{ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } " . رواه ابن خزيمة 1/271 وأحمد 5/149 وهو في صفة الصلاة ص: 102
قال سفيان الثوري:"يكتب للرجل من صلاته ما عقل منها ". أبو نعيم في "الحلية " ( 7/ 61 ).
قال رجل لوهيب بن الورد عظني قال اتق أن يكون الله أهون الناظرين إليك . الحلية 8/142.
قال الشاعر:
ودموعي تسيل وجدا وشوقا = ولظهري من الخشوع انحناء
ولقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة في تمثل المعاني الحقيقية للخشوع , قال ابن الجوزي في " المواعظ ص 16 " : "وروى عن ابن الزبير أنه كان إذا قام في الصلاة فكأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جزعاً أو حائطاً أو وجه حجر أو رحل فدقه وهو في الصلاة فذهبت ببعض ثوبه فما التفت، وكان إذا دخل بيته سكت أهل البيت، فإذا قام إلى الصلاة تحدثوا وضحكوا0 واعلموا – إخواني – أن من أحب المخدوم أحب الخدمة له، لو عرف العبد من يناجى، لم يقبل على غيره، والصلاة صلة بين العبد وبين ربه0 الستر الأول: الأذان، كالإذن في الدخول0 وستر التقريب الإقامة: فإذا كشف ذلك الغطاء لاح للمتقي قُرة العى، فدخل في دائرة دار المناجاة (أَرحنا بها يا بلال)، فقد (جعلت قرة عيني في الصلاة) اكشف يا بلال ستر التقريب عن الحبيب. يا بطَّال: لو سافرت بلداً لم تربح فيه حزنت على فوات ربحك وضياع وقتك، أفلا يبكي من دخل في الصلاة على قرة العين ثم خرج بغير فائدة.
يقومُ ويُقعَدُ مُستَعجِلاً = كمِثلِ الطَروبِ إِذا مَا رَقَصَ
ذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينما هو ذات ليلة قائم يصلي إذا استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه ما الذي أبكاه، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره فجاء أبو حازم إليه، فإذا هو يبكي، قال: يا أخي ما الذي أبكاك قد روعت أهلك من عله، أم ما بك؟ قال: إنه مرت بي آية في كتاب الله – عز وجل -! قال: وما هي قال قول الله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] فبكى أبو حازم أيضًا معه واشتد بكاؤهما، فقال بعض أهله لأبي حزم: جئنا بك لتفرج عن فردته، فأخبرهم ما الذي أبكاهما».حلية الأولياء 3/146.
وكان عطاء – بن أبي رباح – بعد ما كبر وضعف، يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من سورة البقرة، وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك».حلية الأولياء 3/310.
وكان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجًا، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله واحد يراه ما فعله» وكان يقول وهو ساجد: «رب اغفر لي، رب اعفُ عني، أن تعف عني فطول من فضلك، وإن تعذبني غير ظالم لي ولا مسبوق. ثم يبكي حتى يسمع نحيبه من وراء المسجد».حلية الأولياء لأبي نعيم 4/101.
قال الشيخ القرضاوي:
يا مَن له تعنو الوجوهُ وتخشعُ = ولأمرهِ كل الخلائق تخضعُ
أعنو إليك بجبهة لم أحنِها يوما = لغير سؤالك ساجدا أتضرع
أنا من علمتَ المذنب العاصي الذي = عظُمت خطاياه فجاءك يهرع
كم من ساعة فرطت فيها مسرفا = وأضعتها في زائل لا ينفع
إن لم أقف بالباب راجي رحمة = فلأي باب غير بابك أقرع
هذا أوان العفو فاعف تفضلا = يا من له تعنو الوجوه وتخشع
رزقنا الله وإياكم الخشوع والإخلاص وجعلنا ممن يعملون فيخلصون ويخلصون فيقبلون ويقبلون فيفوزون .
جزاك الله كل خير اسلام
احترامي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك اخوي عالطرح
وجزاك الله الجنه**
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بوركت اناملك
وفقك الرحمن اسلام
يسسسسسسَلمو اسلام علي الموضوع
جزاك الله كل خير تقبل مروري تحياتي |