يقول أ. د. سليمان صالح:
اعترف اننى اتعامل بحذر شديد مع الدراسات المستقبلية ومع كل الكتابات التى تقدم توقعات للمستقبل مهما كانت مبنية على اسس علمية، ومهما كانت المكانة العلمية لكتابها. وموقفى هذا ينبع من إيمانى بأنه لايعلم الغيب إلا الله، إلا اننى سأحاول ان أقدم لكم قراءة لنظرية العالم الروسى إيجور بانارين وهو أستاذ العلوم السياسية بالاكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، وسأحاول ان اتعامل مع هذه النظرية بقدر كبير من الحيادية. هذا العالم أصدر كتابا خلال الشهر الماضى، واحتفالا بظهور هذا الكتاب عقد مؤتمرا صحفيا، واعلن للصحفيين ملخصا لنظريته. رئيس الأمل.. ولكن من أهم ما جاء فى هذا المؤتمر الصحفى ان ايجور بانارين يرى ان أوباما هو رئيس الامل، ولكنه جاء فى عام بلا امل، فهو مثل جورباتشوف، يتكلم كثيرا، ويتحدث بشكل لطيف، وهو بالفعل رجل لطيف، لكنه ليس قائدا، لذلك فإنه سيدفع امريكا نحو الانهيار. وعندما يفهم الامريكيون ذلك، فإن القنبلة ستنفجر. لكن انهيار امريكا لا يرتبط بأوباما، حيث بدأ بانارين يكتب متوقعا حدوث هذا الانهيار منذ عام 1998، وهو يرى ان امريكا سوف تتفكك، وان الدولار سوف ينهار. ويسوق بانارين الادلة ليبرهن على صحة توقعاته، ومن أهمها فوز الحزب الديمقراطى فى الانتخابات اليابانية حيث ان هذا الحزب يخطط لتحويل الاحتياطات النقدية اليابانية من الدولار الى عملة اخرى، وهذا سيؤدى الى تزايد ازمة الدولار وسيشجع دولا اخرى مثل الصين على البحث عن بديل للدولار كأساس للاحتياطيات النقدية. ويتوقع بانارين ان الولايات المتحدة سوف تتفكك الى ستة اجزاء هى الساحل الباسيفكى الذى يضم عددا كبيرا من السكان من اصول صينية، والجنوب الذى يضم السكان الهسبانك، وتكساس التى تتزايد فيها الحركات المطالبة بالاستقلال، والساحل الاطلنطى، بالاضافة الى عدد من الولايات الفقيرة فى الوسط، وعدد من الولايات الشمالية التى يغلب عليها التأثير الكندى، وسيكون وضع الولايات المتحدة مشابها لوضعها فى عام 1865 عندما نشبت الحرب الاهلية. اى ان امريكا لن تكون موحدة كما نعرفها الآن. يضيف بانارين: ان النخبة السياسية تتحمل مسؤولية انهيار امريكا حيث تبنت سياسة عدوانية تقوم على خلق الصراعات حول العالم، ويشير الى زيادة مبيعات الاسلحة داخل الولايات المتحدة نفسها، وهذا يعنى ان سكان الولايات المتحدة يتوقعون الانهيار، وانهم يحاولون امتلاك هذه الاسلحة لاستخدامها فى الحرب الاهلية. ويرى بانارين ان يونيو 2024 سوف يشهد بداية الانهيار، وان احتمال هذا الانهيار فى هذا التاريخ يزيد على 50 % على محمل الجد ولاننى لم استطع الحصول على الكتاب الذى يتضمن هذه النظرية فلقد حاولت ان اعرف ردود افعال الامريكيين على ما يقوله بانارين. وعلى سبيل المثال يقول اندرو اسبورن الصحفى بجريدة وول ستريت جورنال: ان بانارين يقدم تنبؤاته بانهيار امريكا منذ عام 1998، لكنه لم يجد من يستمع له. اما الآن فإن الازمة الاقتصادية تجعلنا نأخذ كلامه على محمل الجد، خاصة ان جمهورا كبيرا اصبح متلهفا للاستماع له. وان الاهتمام به قد اصبح متزايدا. وقد عرض اندروا اسبورن بعض المعلومات عن بانارين توضح انه يحتل مكانة علمية رفيعة تجعل من الضرورى الاهتمام به، فهو يعتبر عميد علماء السياسة الروسيين، وكان يعتبر المحلل الرسمى للمخابرات السوفييتية وهو خبير فى العلاقات الروسية الامريكية، ويستمع الكرملين بانتظام لآرائه وتحليلاته. وهو يحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن عدم الاستقرار فى منطقة الشرق الاوسط وعن الازمة الاقتصادية. اما وكالة انباء الاسوشيتدبرس فقد نقلت عن بانارين توقعاته بأن يقوم اوباما بإعلان حالة طوارئ، وان امريكا سيتم تقسيمها الى ستة اجزاء، وان روسيا والصين سوف يشكلان العمود الفقرى للنظام العالمى الجديد. لكنها اتهمت بنارين بالعداء لامريكا وانه يردد ما يود الكرملين سماعه، ولذلك فقد فتحت له روسيا قنوات التليفزيون ليقدم فيها تحليلاته. وبالرغم من هجوم الاسوشيتدبرس عليه فانها اشارت الى انه من الصعب ان يتم تجاهله. أشارت الاسوشيتدبرس الى ان توقعات بانارين تتفق مع تصريحات بوتين رئيس وزراء روسيا، الذى دأب على تحميل روسيا المسؤولية عن الازمة الاقتصادية التى أثرت على الاقتصاد الروسى، ويشبه الولايات المتحدة بألمانيا النازية. بالرغم من هجوم الاسوشيتدبرس على بانارين واتهامه بالعداء لامريكا وارتباطه بالسياسة الروسية إلا ان توقعاته لقيت رواجا، واعطت لها الازمة الاقتصادية قدرا كبيرا من المصداقية. لذلك بدأت توقعاته تثير مخاوف الناس على مدخراتهم حيث نقلت وسائل الإعلام عن بانارين قوله: ان الدولار لم يعد آمنا، وان ديون امريكا الخارجية قد بلغت 11 تريليون دولار وهذا سيؤدى الى الانهيار. الاقتصاد الامريكى ينهار بالفعل جريدة ازفستيا السوفييتية وجهت سؤالا لبانارين: متى سينهار الاقتصاد الامريكى فأجاب: انه ينهار بالفعل، والدليل على ذلك ان ثلاثة من كل اكبر خمسة بنوك فى وول ستريت قد توقفت، وان خسائر هذه البنوك كانت اكبر معدل للخسائر طوال التاريخ. وهذا يشكل تغييرا فى النظام المالى العالمى، وان امريكا لم تعد المنظم المالى العالمى. وان الصين وروسيا سيحلان محل امريكا وتقومان بدور المنظم للاقتصاد العالمى. لكن ما العلاقة بين توقعات بانارين وزيارة اوباما للصين والتى حاول خلالها ان يقنع الصين برفع سعر عملتها فى محاولة لانعاش الاقتصاد الامريكى ودعم الدولار. بالرغم من محاولة تصوير توقعات بانارين بأنها تنطلق من العداء لامريكا إلا ان هذه التوقعات قد بدأت تؤثر على تشكيل سياسات امريكا التى تحاول البحث عن وسائل لتقليل تزايد قوة الصين فى مواجهة تناقص قوة امريكا وانهيار اقتصادها. ما يؤكد صحة ذلك التحليل ان دور بول عضو الكونجرس الامريكى حذر من انهيار الدولار وعقب هذا التحذير مباشرة القى باراك اوباما بيانا اكد فيه ان الدولار ما زال قويا. لكن بيان اوباما لم يفلح فى تهدئة المخاوف فقد كان هناك تأكيد من أطراف متعددة ان الدولار ليس قويا، وان بنك الاحتياطى الفيدرالى يقوم بطبع اوراق الدولارات دون قيمة حقيقية. وانتهزت الصين الفرصة فالرئيس الصينى تساءل فى اجتماع قمة الثمانية عن الدور المسيطر للدولار كعملة للاحتياطى العالمى. مجرد طرح التساؤل من جانب الرئيس الصينى أثار القلق بين القادة الغربيين بمن فيهم باراك اوباما. كما ارتبط ذلك القلق بتصريحات مستشار الرئيس الصينى بضرورة تنويع العملات فى نظام الاحتياطى العالمى. هذا يعنى ان توقعات بانارين ليست ضربا من الخيال، ولكنها مبنية على حقائق وتكشف عن نوايا حقيقية للصين وروسيا للبحث عن بديل للدولار، وهو ما سيؤدى الى زيادة ازمة امريكا الاقتصادية، وزيادة ازمة الدولار. انهيار شامل للدولار الامر لم يقتصر على تنبؤات بانارين.. لكن التوقعات بانهيار الدولار تزايدت.. وجاءت من اقتصاديين غربيين يتمتعون بمكانة مهمة مثل وليم بويتر احد اعضاء لجنة السياسات المالية ببنك انجلترا الذى تنبأ بانهيار شامل للدولار خلال العامين القادمين، واكد ان زيادة نفقات الحكومة فى عهد الرئيس اوباما ستكون كارثة. كما توقع ان يتحول المستثمرون عن الدولار الى عملة اخرى اكثر امانا لان العامين القادمين سيشهدان انهيارا لاصول الدولار ومن بينها اصول الحكومة الامريكية. أضاف بويتر الذى يشغل الآن منصب استاذ الاقتصاد بمدرسة لندن الاقتصادية التابعة للمعهد الاوروبى: ان إساءة استخدام القوة فى عهد إدارة بوش وخلق صراعات عالمية أديا الى اضعاف امريكا ماليا وماديا وسياسيا واخلاقيا. وعلى امريكا ان تعترف ان نظامها الاقتصادى قد فشل. وان استمرار امريكا فى مخططاتها العسكرية على المستوى العالمى سيؤدى الى انهيار الدولار. تخلصوا من الدولار لكن هل كان لهذه التوقعات تأثير على المستثمرين؟! هناك مستثمر اسمه جيم روجرز حث الناس على التخلص من الدولار، وقال انه سيحاول التخلص من كل الدولارات التى يمتلكها قبل الصيف القادم. وفى مقابلة تليفزيونية قال روجرز: اذا كان لديك دولارات فانصحك ان تسرع بالتخلص منها. هكذا فإن الامر يفوق توقعات بانارين، ويجعل لهذه التوقعات مصداقية واهمية علمية. لكن الاخطر من ذلك هو ان امريكا هى مركز الاقتصاد العالمى وهناك الكثير من الدول التابعة التى يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الاقتصاد الامريكى، وهذه الدول من المؤكد انها ستنهار اقتصاديا وسياسيا عند ظهور اية بوادر لانهيار الاقتصاد الامريكى. يضاف الى ذلك ان امريكا قد عملت لسنوات طويلة على ربط اقتصادات الكثير من الدول باقتصادها، وفرض التبعية عليها. وهذا معناه ان امريكا ستدمر العالم قبل ان تدمر نفسها. ولكن ما الذى جعل ذلك العالم السوفييتى الكبير يتوقع انهيار امريكا وبهذا الشكل المشابه لانهيار الاتحاد السوفييتى؟! هل جاءت هذه التوقعات بالفعل كما تقول الاسوشيتدبرس نتيجة العداء لامريكا وتنفيذ سياسة الكرملين وبوتين؟. قد يكون الدافع هو العداء لامريكا، فالروس لايمكن ان ينسوا عداءهم لامريكا، ومن حقهم ان يعبروا عن مشاعر الشماتة بها، ويفرحوا بمؤشرات انهيارها. لكن الامر اكبر من ذلك فعالم مثل عميد علماء السياسة الروس لايمكن ان يستسلم لمشاعر الشماتة ولكن هناك خبرة تاريخية مع انهيار الامبراطوريات، وربما تكون معرفته بالعوامل التى ادت الى انهيار الامبراطورية الروسية قد جعلته يرى بوضوح تلك العوامل التى تنخر فى عظام الامبراطورية الامريكية التى تكرر تجربة الامبراطورية السوفييتية ربما بشكل يختلف قليلا. وربما يكون هناك عامل اساسى رآه بانارين وهى ان كلتا الامبراطوريتين قد انفقتا اموال الشعب على حرب خاسرة فى جبال افغانستان وان الله قد اراد ان يكون انهيار اكبر امبراطوريتين فى التاريخ على يد افقر عباد الله واضعفهم واقلهم سلاحا وعتادا ومالا وهم الافغان. بانارين لم يصرح بذلك، لكن ربما تكون خبرته التاريخية بتأثير هذا العامل هى التى اعطته القوة بان يصرح بان امريكا فى طريقها للانهيار. ربما يختلف الكثيرون مع السرعة التى يتوقع بها بانارين ان يحدث الانهيار، فربما يمتد عمر تلك الامبراطورية سنوات اخرى وربما تستمر دول العالم فى كنز الدولارات لسنوات قادمة. لكن من الحكمة ان تفكر الدول العربية فى مستقبلها، وان تكافح للتحرر من التبعية والبحث عن استثمارات آمنة داخل الوطن العربى. اعرف ان معظم الساسة العرب لايريدون ان يصدقوا التوقعات بانهيار الاقتصاد الامريكى وربما يجدون انفسهم فجأة امام واقع جديد ولكن بعد ان ينهار اقتصاد دولهم ايضا!. المصدر: الشرق القطرية
شكرا لاختناقات صماء أسعدني هذا المرور
أنا لا أوافقه في كلامه حيث قال :((اعرف ان معظم الساسة العرب لايريدون ان يصدقوا التوقعات بانهيار الاقتصاد الامريكى وربما يجدون انفسهم فجأة امام واقع جديد ولكن بعد ان ينهار اقتصاد دولهم ايضا ))
أسلوب تشعر فيه بالقسوة وعدم احترام للحكام العرب لأنهم حكام ولهم مقامهم
نعم تنبه لكن باسلوب حضاري ولامانع من أخذ الحيطة والحذر وعمل دراسات من كافة الجوانب لتحقيق مصالح الشعوب العربية والإسلامية
أقول هذه نظرية وليست حقيقة نجزم بها أسأله سبحانه أن يحفظ بلاد المسلمين من كل سوء وشر