السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم متى يكون الفعل خاصّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم دون أمَّته؟ أولاً: ينبغي أن يُعلم أن الأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أنه تشريع للأمة ، ولا يجوز القول بأنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا بدليل صحيح يدل على ذلك ؛ لقوله تعالى : ( لقَدْ كاَنَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب/ 16 ، وعملاً بهذا الأصل ، كان الصحابة رضي الله عنهم يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما فعله ، ولم يكونوا يسألونه هل هذا الفعل خاص به أم لا ؟ ومما يدل على ذلك : بل إن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من بعض أصحابه لمَّا نسبوا فعلاً فعله صلى الله عليه وسلم للخصوصية . فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا ، وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ ) ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا ! قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : ( وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّبِعُ ) . رواه أبو داود ( 2389 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " . قال ابن حزم رحمه الله : وقال ابن القيم رحمه الله : وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله : فأجاب : ثانياً: قال ابن حزم رحمه الله : فما جاء فيه بيان كما ذكرنا : فهو خصوص ، وما لم يأت فيه نص كما قلنا : فلنا أن نتأسى به عليه السلام ، ولنا في ذلك الأجر الجزيل ، ولنا أن نترك غير راغبين عن ذلك ، فلا نأثم ، ولا نؤجر" انتهى . " الإحكام في أصول الأحكام " ( 4 / 433 ) . وأما حديث ضرب الجارية بالدف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم : فليس خاصّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس في الحديث ما يدل على الخصوصية . عن بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ رضي الله عنه قال : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي ، وَإِلاَّ فَلاَ ) فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ ، فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ ) .رواه الترمذي ( 3690 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " . وقال ابن القيم رحمه الله : وقال العراقي في "طرح التثريب" (6/56) : وقال زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (4/344) : وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/93) تعقيباً على حديث الجارية : "وهذا نص في إباحة الغناء عند قدوم غائب تأكيداً للسرور" انتهى .
فأنت ترى هؤلاء العلماء أباحوا الضرب بالدف لقدوم غائب ، لا سيما إذا كان هذا الغائب كثير النفع للمسلمين . ولكن تبقى هذه الإباحة مقيدة بالضرب بالدف فقط ، ولا تشمل غيره من الآلات الموسيقية ، ومقيدة بالأحوال التي وردت فيها فقط . وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (20406) . والله أعلم م/ن
|
تحديث