الـــصــــلـــــــيـــــب
أولاً : في البستان (متى 26: 36ــ46، مرقس 14: 32ــ42، لوقا 22:32ــ46)
1- كان المسيح معتاداً أن يصحب تلاميذه إلى بستان جثسيماني بجبل الزيتون ليصلي معهم. بعد العشاء، في منتصف الليل، خرج المسيح مع تلاميذه وساروا في
رطوبة الليل تحت شعاع القمر ودخلوا البستان.
2- أستلقى التلاميذ على العشب، وأخذ المسيح معه بطرس ويعقوب ويوحنا وأبتعد قليلاً عن باقي التلاميذ. قال لهم : أمكثوا هنا وأسهروا. وأنفصل عنهم وذهب
وحده وسط الأشجار، وركع على ركبتيه وابتدأ يصلي بحرارة.
3- كان المسيح يحمل على كتفيه كل خطايا البشر وآثامهم منذ آدم حتى نهاية العالم. لهذا جاء المسيح وهو الذي لم يعرف خطية جعل خطية لأجلنا. والخطية تنتج
ألماً وحزناً، وأعتصر الألم والحزن قلب المسيح حتى أنه قال : نفسي حزينة جداً حتى الموت.
4- وعاد المسيح إلى التلاميذ فوجدهم نيام، فعاتب بطرس لأنه لم يقدر أن يسهر ساعة واحدة، وقال : اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، الروح نشيط والجسد
ضعيف. ثم عاد إلى خلوته ليصلي وحده.
5- كان يجاهد في صلاته ويصارع آلام الخطايا التي يحملها عنا. تندى جبينه بحبات العرق التي تكاثرت وتجمعت وسالت على وجهه المحموم وسقطت على
الأرض كقطرات دم. نزيف الم وحزن وعرق ودم. وزفر من اعماقه صرخة ألم لا يقوى على أحتماله بشر. قال يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. لكن
لتكن إرادتك. وظهر له ملاك من السماء يقويه.
ثانياً : القبض على المسيح (متى 26: 47ــ56، مرقس 14: 43ــ52، لوقا 22: 47-53، يوحنا 18: 1ــ11)
1- قام التلاميذ من نومهم والتفوا حول المسيح. وفي سكون الليل زحفت أقدام كثيرة تقترب. وظهر في المقدمة يهوذا الأسخريوطي وخلفه جمهور من الجند
وخدم الهيكل وجمع كبير يحملون المشاعل والعصي والسيوف
2- كان يهوذا قد تآمر مع رؤساء الكهنة وقادة اليهود، أن يسلمهم المسيح مقابل ثلاثين من الفضة ثمن خيانته لسيده. وكان يهوذا يعرف الأماكن التي يذهب إليها المسيح
وتلاميذه. ذهب أولاً إلى العلية ولما لم يجده جاء إلى البستان ليسلم المسيح إلى أعدائه.
3- أقترب يهوذا من المسيح، ولمس كتفه ثم أحاطه بذراعيه وأحتضنه وقال له السلام يا سيد وقبله. سلام وقبله، هذه كانت العلامة التي إتفق عليها مع الكهنة واليهود
ليسلمه لهم. ونظر المسيح إليه وقال : أبقبلة تسلم ابن الإنسان ؟
4- سأل المسيح الجموع : من تطلبون ؟ قالوا : يسوع الناصري. أنتصب أمامهم وقال : انا هو ارتعبوا منه وخافوا وسقطوا على وجوههم. مرة أخرى
أفاقوا فسألهم : من تطلبون ؟ قالوا : يسوع الناصري وأجاب : أنا هو. وأمسكوا به.
5- في حدة الموقف تحمس بطرس وأستل سيفاً وضرب … أهتزت يده وأنحرف السيف ولم يصب إلا أذن عبد رئيس الكهنة فقطعها. نهاه المسيح وأمسك
بأذن العبد وأعادها إلى وجهه صحيحة.
6- قال المسيح للجموع : دعوا هؤلاء يذهبون. وترك التلاميذ المسيح وحده وهربوا.
ثالثاً المسيح امام حنان (يوحنا 18: 19ــ27)
1- كان حنان رئيس الكهنة السابق، وكان صاحب نفوذ كبير على الشعب لمركزه السابق ولأن قيافا رئيس الكهنة الحالي زوج ابنته. وكان معروفاً بالقسوة والجشع
وأستغلال نفوذه في تكوين ثروة كبيرة.
2- سأل حنان المسيح عن تلاميذه وتعاليمه. أجابه المسيح بأن ذلك كله معروف من الجميع فلماذا يسأله هو ؟ صدم الشيخ المغرور من جواب المسيح الذي أعتبره
إهانة له حتى إن أحد خدمه لطم المسيح على وجهه. نظر إليه المسيح وقال : إن كنت اسأت القول فاشهد على ذلك وإن لم فلماذا تضربني.
3- لم يستطع حنان أن يحصل من المسيح على شيء فأوثقه وأرسله إلى قيافا رئيس الكهنة وإلى مجلس السنهدريم.
4- في الخارج كان بطرس وسط الخدم في الفناء حوله نار يستدفىء. راته جارية وقالت : أنت تلميذ المسيح أنكر بطرس ذلك بشدة. أكدت أتهامها له بأنه
جليلي ولغته تفضحه فأصر على أنكاره وأبتعد عنها. بادره أحدهم وقال بل أنت تلميذه وكنت معه في البستان ورأيتك بنفسي وانت تضرب بالسيف. خاف بطرس وأنكر
وحلف ولعن وصاح الديك … وتذكر بطرس قول المسيح له أنه قبل أن يصيح الديك ينكره ثلاث مرات. والتقت عيناه بنظرات المسيح وهو خارج إلى بيت قيافا، فخرج
خارجاً وبكى بكاءاً مراً.
رابعاً المسيح أمام قيافا (متى 26: 57ــ68، مرقس 14: 53ــ65، لوقا 22: 66ــ71)
1- وقف المسيح أمام قيافا ومجلس السنهدريم وكانوا قد أتفقوا مسبقاً على إدانته. وكان قيافا قد سبق وأعلن أنه من الخير أن يموت إنسان واحد عن الشعب. وقف
المسيح صامتاً لايتكلم.
2- وفي محاولتهم اختلاق تهمة للمسيح يرفعوها إلى الوالي الروماني الذي له الحق وحده في إصدار الحكم بالموت، أحضروا شهود زور يشهدون عليه لكن شهادتهم لم
تتفق.
3- أثار صمت المسيح أمام شهادة الشهود ثائرة قيافا فساله بغضب : اما تجيب بشيء ؟ وظل المسيح صامتاً. أخاف صمته قيافا وأزعجه فقال له برجاء وألحاح
: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا، هل أنت المسيح إبن الله ؟ واجاب المسيح : انا هو. وسوف تبصرون إبن الله آتياً في مجده على السحاب. مزق قيافا ثيابه وأتهم
المسيح بالتجديف وعلى أساسهايمكن يحكم عليه بالموت.
4- هاجت الجموع وأمسكت بالمسيح، وسط المحاكمة، وأخذوا يبصقون عليه ويضربونه ويلكمونه وهو مقيد اليدين لايستطيع صد ضرباتهم ولكماتهم ولا الدفاع عن
نفسه.
5- أما يهوذا، فحين رأى ما حدث للمسيح، ندم على ما فعل وأعترف بانه قد أسلم دماً بريئاً. وذهب إلى الكهنة محاولاً أن يرد لهم الثلاثين من الفضة ثمن خيانته لسيده
فرفضوا. ألقى بالفضة في الهيكل وخرج إلى الخارج وخنق نفسه.
خامساً : المسيح امام بيلاطس (متى 27: 11ــ25، مرقس 15: 1ــ15، لوقا 231:ــ5، يوحنا 18: 28ــ19 : 11)
1- جاءوا بالمسيح إلى بيلاطس البنطي الوالي الروماني. سألهم عن التهمة التي يواجهونها له فقدموا له ثلاثة اتهامات : قالوا أنه يفسد الأمة، وأنه يمنع أن تعطى
جزية لقيصر، وأنه يدعى أنه المسيا ملك اليهود. لم يهتم بيلاطس بالتهمتين الأولى والثانية أما التهمة الثالثه فكانت الأخطر لأنها تهدد سلامة الدولة.
2- أخذ بيلاطس المسيح إلى داخل الولاية وبقي اليهود في الخارج حتى لايتنجسوا وسأله إن كان ملكاً كما يقولون. أجاب المسيح : مملكتي ليست من هذا العالم،
فلو كانت مملكتي من هذا العالم لجاء خدامي لكي ينقذوني من يد اليهود ومن يدك. أرتعب بيلاطس وسأله : أفأنت إذاً ملك ؟ أجابه المسيح : نعم وقد أتيت إلى العالم لكي
أشهد للحق. وتساءل بيلاطس في مجده : وما هو الحق ؟.
3- خرج بيلاطس يعلن لليهود المشتكين على المسيح أنه لم يجد علة واحدة في ذلك الإنسان الذي أتوا به إليه، وعرض عليهم أن يطلقه لهم بمناسبة عيد الفصح، فقد
كانت العادة أن يطلق لهم أسيراً في كل عيد. إلا أنهم صاحوا طالبين أن يطلق لهم باراباس، وكان لصاً خطيراً.
4- وأرسلت زوجة بيلاطس رسالة إلى زوجها وهو يحاكم المسيح تقول له أنها حلمت حلماً مخيفاً وتألمت جداً لما رأته يحدث للمسيح في الحلم، وطلبته أن لايمسه
بسوء.
5- أراد بيلاطس ان يطلق المسيح لأنه لم يجد به علة وبسبب حلم زوجته وتحذيرها له، ولصمت المسيح وصموده لكل الأتهامات مما أفزعه. إلا أن اليهود في
الخارج كانوا يصيحون قائلين : من يجعل نفسه ملكاً فهو معاند لقيصر، مما أفزعه أكثر. أراد أن يتخلص من الموقف الصعب، فلما عرف ان المسيح من الجليل أرسله إلى
الملك هيرودس في أورشليم.
سادساً : المسيح أمام هيرودس (لوقا 23: 6ــ12)
1- فرح هيرودس لما رأى المسيح أمامه فقد كان يريد أن يراه يصنع معجزة. أما المسيح فلم يجيبه بكلمة وظل صامتاً مما أزعجه أيضاً.
2- أخذ رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه أمام هيرودس، فأرادو أن يرضيهم فأحتقر المسيح وأستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً وأعاده إلى بيلاطس .
سابعاً : المسيح أمام بيلاطس مرة أخرى
1- بعد أن أعاد هيرودس المسيح إليه مرة أخرى، زادت حيرة بيلاطس وخوفه وتردده في أن يحكم على المسيح بالموت. سأل الجموع : ماذا تريدون أن أفعل
بيسوع الذي يدعى المسيح ؟ صاحوا : أصلبه. أصلبه.
2- أراد بيلاطس أن يمتص غضب الجماهير ويراوغهم، فأخذ المسيح وجلده ثم أخرجه إليهم وقال : هوذا الإنسان. فأزدادوا صراخاً وصياحاً قائلين : أصلبه
…. أصلبه.
3- وفي حيرته عاد بيلاطس يسأل المسيح والمسيح لايجيبه بشيء. غضب وقال : ألا تعلم أن لي سلطان أن أطلقك وسلطان أن أصلبك. قال له المسيح : لم
يكن لك علي سلطان لو لم تكن قد أعطيت من فوق. وزاد هذا الكلام من خوف بيلاطس ورعبه.
4- وأمام ضغط الشعب وصياحهم وصخبهم، وحتى لايزداد الموقف تعقيداً، أخذ بشكل مسرحي ماء وغسل يديه قدام الجميع هروباً من المسؤولية، قائلاً : إني بريء
من دم هذا البار … فصرخوا بأعلى أصواتهم : دمه علينا وعلى أولادنا .
5- وبمنتهى الضعف والجبن والاستسلام، وبعد أن أعلن أن المسيح باراً بلا خطية أو تهمة حقيقية يستحق أن يحاكم عليها، برغم ذلك أسلم بيلاطس المسيح للجموع
ليصلبوه.
ثامنــاً : تلخيـــص
خرج المسيح مع تلاميذه وساروا في منصف الليل إلى بستان جثيماني بجبل الزيتون ليصلوا هناك. أصطحب المسيح بطرس ويعقوب ويوحنا وأبتعد قليلاً ثم أختلى
بنفسه وكان يصلي. وسال عرقه على وجهه وتساقط على الأرض كقطرات دم. وظهر ملاك من السماء ليقويه. وعاد ثلاث مرات ليجد التلاميذ نيام. وجاء يهوذا
مسلمه مع جند وجمهور كبير بعصي وسيوف ومشاعل. وقبل يهوذا المسيح وسلمه لأعداءه. وأقتادوه إلى حنان رئيس الكهنة السابق ثم إلى قيافا رئيس الكهنة الحالي
ليحاكماه. ثم أحضروه إلى بيلاطس البنطي الوالي الذي في تردده أرسله أيضاً إلى الملك هيرودس. وبرغم عدم ثبوت أية تهمة عليه أسلمه بيلاطس إلى الجموع ليصلبوه.
تاســعاً : دعــــاء
ربي وسيدي … كم تألمت وقاسيت لأجلي. تألمت وقاسيت وأنت تجاهد في البستان حاملاً خطاياي في جسدك حتى نزفت عرقاً ودماً. تألمت وقاسيت
وأنت تسمع تلميذك المقرب إليك ينكرك ويتبرأ من معرفته بك. تألمت وقاسيت والكهنة يختلقون التهم ضدك ويستحضرون شهود زور لإدانتك والجموع تصيح مطالبة بصلبك.
تألمت وقاسيت والوالي الروماني يرتجف أمامك وهو محتار كيف يقتل باراً مثلك تألمت وقاسيت والملك اليهودي يحتقرك ويستهزىء بك ويسخر منك وانت ملك الملوك ورب
الأرباب. كل ذلك قاسيته من أجلي .. سيدي وربي وإلهي .. أتعهد أن أعيش كل حياتي لك … آمين.