مسألة: إنّ للحضارات أدواراً كأدوار الليل والنهار، والفصول الأربعة، أو سائر ظواهر الكون. بمعنى أن الحضارات تبدأ صغيرة، ثمّ تكبر وتشبّ، ثمّ تأخذ في الهرم، ثمّ تأخذ بالسقوط. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في آيات متعدّدة، وهنا نذكر جملة من الآيات في سورة المؤمنون، تدلّ على هذا الشيء، وعلى هذه فقس ما سواها، قال سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَنْزَلَ مَلاَئِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ * ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ * فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً منْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ * أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ إلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ * يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ))(22).
وقد تقدّمت جملة من الآيات الأخرى التي ذكر الله سبحانه وتعالى فيها أنّ جماعة كانت تشابه جماعة في تكذيب الأنبياء، وأنّ بعضهم كان يشابه بعضاً في أخذ الله سبحانه وتعالى لهم بمختلف العقوبات المناسبة لأعمالهم المنحرفة وعقائدهم الباطلة، وقد أشرنا إلى مناسبة العقاب بالعمل في آيات القرآن الحكيم في كتاب حول القرآن الحكيم(23) ممّا لا نريد تكراره هنا.
وعلى أي حال: فالحضارات حالها حال الكائنات الحيّة فيها ميلاد، وشباب وشيخوخة، وفنـاء، ولا يقصـد بالفنـاء الفناء المطلق بل فناء الكيفية. ومن الممكن أن تكون هناك حكومة على الغرار المنحرف ثمّ تستقيم، فتبقى كما ذكرنا ذلك في كتاب (الغرب يتغيّر)، بينما ذكرنا قبل سقوط الشيوعية بسنوات متعدّدة، أنّ الشيوعية تسقط سقوطاً مطلقاً في كتاب ماركس ينهزم(24)، والذي نراهُ أنّ الصيغة الأخيرة الصحيحـة الباقية هـي صيغة الإسلام الصحيح الواقعي حيث ليس لحكم الله منتهى، وقد قال سبحانه وتعالى: ((وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى))(25)، ونحن الآن نرى أنّ الغرب إذا أخذ بالإسلام، ستبقى حكومته بدون حروب، أو ثورات، أو مشاكل اقتصادية، أو اجتماعية إلاّ بالقدر الملازم للبشرية، حيث قال الإمام علي (ع) في وصف الدنيا: (دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة لا تدوم أحوالها ولا يسـلم نزّالها) (26) .
أمّا إذا لـم تأخذ البلاد الغربية بالإسلام الصحيح، فإنّها معرّضة أيضاً للاهتزازات والسقوط، والإسلام ليس إلاّ عقيدة صحيحة، وقولاً صحيحاً، وعملاً صحيحاً، في مختلف جوانب الحياة. ولكنّ الكلام في أنّ عقلاء الغرب هل يدركون هذه الحقيقة فيغيّرونه إلى المسار الصحيح الذي هو باق أم لا؟ حتّى يكون السقوط نهايته؟!
حلَقةَ بحثَ في أدوار التاريخ
يسلمو خيو
ودى وتقديري
حبيبيَ كآزآَ منَورَ
وَدي (~
يسآـموَ إفرآحَ ع الَمرورَ إلـرآقي
وَدي (~
يسآـموَ ميسـوِ ع الَمرورَ
وَدي (~