تخطى إلى المحتوى

الورم الخبيث 2024.

يوماً بعد يوم, كانت أوجاعي وآلامي تجري وتسيل, على مسام جلدي المتعرج
يوماً بعد يوم, كان الورم المجهول القابع في ثنايا روحي ينمو
كما تنمو أحلام الأطفال الصغيرة, لتصبح فيما بعد قاتلة مدمرة

حين ولدت, زرعه الله في داخلي
كما تزرع البذور في جوف الأرض
لكنه كان ضعيف رقيق, كضعفي ورقتي
كان كسول خمول, ككسلي وخمولي
أكلنا سوياً, وشربنا سوياً
لعبنا سوياً, وتسكعنا في أزقة الشوارع سوياً
كبرنا سوياً وبدأنا مشوار العزلة والوحدة سوياً

كنت أنا الفارس, وكان هو الحصان العربي الأصيل
كنت أنا الملك, وهو التاج القرمزي
كنت أنا الصياد , وكان هو سنارتي
كنت أنا الثائر, و كان هو بندقيتي
كان كل شيء بالنسبة لي

رغم السجون والمعتقلات
رغم الظلم والتهديد
رغم الغدر والوعيد
رغم النفي والتعذيب
رغم نصائح الأطباء, و هجرة الأحباء
رغم أوجاعي وآلامي, التي لم تعد تطاق
فعظام صدري الغضة, لم تعد قادرة
على حبس هذا الطائر المتمرد داخلاً
كنت أعلم بأنني كمن يضع أسداً في قفصٍ للحمام
مهما طال مكوثه, سيأتي يوم وسيحطمه بضربة واحدة
رغم كل هذا, لم أكن مستعداً للتفريط به
لأنه كان كل شيء بالنسبة لي

ذات ليلة عسلية الغروب, ساحرة المفاتن
كنا جالسين, نتحدث عن أحلامنا
ونرسم على الرمال المبللة, تضاريس مستقبلنا
وفجأةً, ودون برقية مستعجلة, أو اتصال هاتفي مسبق
رأيت نفسي محاطاً, برزمة من الرجال
عابسي الوجوه, كريهي الرائحة, وملامحهم جمعت القسوة بالغباء

اقتادوني بصمت وحيطة, بعد أن سدوا منافذ الضوء عني, بقطعة قماش
إلى مكان أشبه بالمسلخ منه إلى المشفى
وفور وصولنا, باشر الجزارين, بإجراء الفحوص والتحليلات

تقدم أحدهم مني, وقال لي:
– هل أنت غريب عن هذه الأرض يا بني
– لا, هنا تراب أجدادي, وبذور أحفادي
– لا أعرف كيف أبقتك الجهات المسؤولة والمختصة,
والمنظمات الحقوقية, طليقاً إلى الآن
ولم تضعك تحت المراقبة والإقامة الجبرية, في منطقة عازلة نائية,
بعيداً عن الجنس البشري
لكي لا تنقل عدواك إلى غيرك من المجانين
فأنت يا صغيري لديك ورم يدعى ( الحرية ),
وهو أخطر الأورام على الحكام والملوك
وكل محاولاتهم اليائسة بإيجاد علاج له, باءت بالفشل
صدقني إنه أخطر من النووي, والأسلحة الكيماوية
إنه أخطر من جنون العظمة وجنون البقر

– هيا, ودعك من هذا الهراء, وباشر عملك الذي من أجله,
اقتدتموني إلى هنا كالنعجة
– سأحاول جهدي, فجذور هذا الورم قد تكون ملتصقة بروحك
وربما تكون حياتك مهددة بالخطر ايضاً
– إذن فانزع الاثنين, دون تتردد, فحياتي بدونه هي :
كحياة الشاعر بلا قلم
كحياة المرأة بلا رحم
كحياة الغجري بلا وشم
كحياة البدوي بلا صحراء
كحياة الشيخ بلا لحية ومسباح

تم تجهيز غرفة العمليات, وقاموا بتخديري ببعض الخطابات,
والشعارات المؤثرة و باشروا العمل, بسرية تامة
وعندما استيقظت, وفتحت بثقلٍ عيناي, وكأنني مصاب بالرمد
رأيت حشداً غفيراً, لم أتعرف على معظمهم
كانوا يتعانقون ويبتسمون, ويرفعون ايديهم عالياً,
وكأنهم أبطال حروب, وقادة معارك
كانوا يحملون الأزهار, وبطاقات التهنئة, والهدايا,
وعلب الحلوى المنتهية الصلاحية

قال لي من قام بالمهمة,وهو يطبب على كتفي :
الحمد لله عالسلامة
لقد تمكنا منه, وأنت الآن بصحة جيدة
ويمكنك الخروج متى شئت
الآن يمكنك العيش بيننا رافع الرأس
يمكنك مخالطة الناس, دون حرج من اختلافك
أو ضيق من شذوذك

ساعدني بعض المأجورين بالوصول إلى باب النجاة
وما إن افلتوا يدي, حتى سقطت على الأرض,
كما تسقط أخلاق الأمم وثقافاتها

حاولت بعدها الوقوف مراراً, لكن دون فائدة
كان جسدي ليناً, يتمايل كالقصب مع تنهدات المارة
ورأسي كان ثقيلاً خدراً, وعيناي تأبى النظر للأعلى
من حينها, لم أعد أرى سوى, أحذية المارة وأعقاب السجائر

لقد أصبحت :
كالعاجز, الذي كُسِرَ عكازيه
كالمصلي الذي أضاع قبلته
كالرحال الذي فقد خريطته

أصبحت كالطفل الذي يحاول المشي للمرة الأولى, دون أن يمسك بيدي أمه
كلما حاول الوقوف سقط, ليعود ويقف مجدداً

ليسقط من جديد

صار المركب ممتلئ بنخبة المبدعين والذين يحملون اقلامهم
ومدادهم للتعبير عن مشاعرهم بكل قوة هنا
وها انت واحد من الراكبين
تحاول التطلع معنا لبعيد بهمس الراقي
فمرحبا بك مليون مرة على مركب الخواطر يا أخي
وفي ربوع منتدانا الراقي
راقت لي كلماتك من أول عنقود لآخره
بداية موفقة ورائعة كروعة بوح
ننتظر جديدك المشوق
تقبل مني أعطر التحايا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.