السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلايا المشيمة المتبقيه
تعتبر الابحاث في مجال الخلايا الجذعية ، احد مجالات البحث الاكثر اثارة في عالم الطب والعلوم اليوم. تتجسد هذه الاثارة في اقدام المزيد من الشركات على خوض غمار سباق تطوير العلاجات والادوية الجديدة التي تعتمد على الخلايا الجذعية المختلفة، خصوصا الخلايا الجذعية الماخوذة من الاجنـة او من دم الحبل السري.
في غمرة هذا السباق، نجحت شركة مختصة بانتاج الادوية باكتشاف مصدر جديد لاستخلاص الخلايا الجذعية، قد يكون مصدرا غير متوقع مطلقا. هذه الشركة، هي الشركة الاولى على مستوى العالم التي نجحت بابتكار وتطوير مجموعة من العلاجات لعدد كبير من الامراض، بالاعتماد على الخلايا الجذعية الماخوذة من المشيمة, من اللاتي خضعن للولادة بالجراحة القيصرية –
بعد ان اعربن عن موافقتهن على التبرع في المشيمة لاهداف البحث العلمي. وقد نجح الباحثون العاملون في هذه الشركة بتطوير اسلوب مميز من اجل تربية هذه الخلايا الجذعية وزيادة عددها، حيث يقومون في الاونة الاخيرة بتطوير عدد من العلاجات للامراض من خلال حقن الخلايا الجذعية المشيمية في اجسام المرضى.
المشيمة هي عضو ينمو ويتطور داخل رحم المراة خلال فترة الحمل، وهو يربط الجنين بجدار الرحم. اثناء الحمل، تقوم المشيمة بتزويد الجنين بالغذاء والاوكسجين، وتبعد عنه المخلفات والافرازات. كذلك تقوم المشيمة بافراز الهرمونات المسؤولة عن ضبط الحمل والتحكم به. خلال عملية الولادة، تنفصل المشيمة عن الرحم وتخرج من الجسم بعد خروج الطفل منه بوقت قصير.
مؤخرا، اعلنت شركة الادوية المذكورة انها نجحت بمنع بتر ارجل بعض الاشخاص المصابين بالسكري بواسطة علاج قامت بابتكاره وتطويره. خلال عملية العلاج، تم حقن كمية من الخلايا الجذعية الماخودة من المشيمة الى ارجل بعض المرضى الذين يعانون من تضيق الاوعية الدموية الحاد (الاقفار)، علما ان هؤلاء المرضى كانوا مرشحين لبتر الاطراف خلال فترة نصف عام من موعد اشتراكهم بالتجربة.
في هذه الايام، انهى 12 مريضا من اصل 21 ممن شملتهم مرحلة النتائج الوسطى، الاشهر الثلاثة التي كانت مخصصة لتقييم مدى تاثير العلاج على حالتهم.
خلال ثلاثة اشهر من المتابعة، قال اكثر من 80% من المرضى الذين تم حقنهم انهم شعروا بتحسن ملحوظ في اداء ارجلهم، ونتيجة لذلك بتحسن بمستوى حياتهم. لقد تلاشى خطر بتر الارجل لديهم جميعا، كما استطاع بعضهم تطوير القدرة على المشي مجددا.
تم تقييم اداء ارجل المرضى وفقا لثلاثة معايير قابلة للقياس، ومتبعة في تشخيص المرضى المصابين بالاقفار: مقياس يحدد مستوى تدفق الدم في الكاحل، مقياس اختبار اداء تدفق الدم في الارجل، ومقياس كمية الاوكسجين تحت الجلد. اظهر 83% من المرضى الذين تلقوا العلاج بواسطة الخلايا الجذعية الماخوذة من المشيمة، تحسنا في مقياس واحد على الاقل من هذه المقاييس الثلاثة، بينما اظهر 50% منهم تحسنا بمقياسين على الاقل من المقاييس الثلاثة التي تم فحصها.
بالاضافة الى المقاييس الطبية التي تم فحصها، قال اغلب المرضى (اكثر من 80 بالمئة) انهم شعروا بتحسن ملحوظ في مستوى حياتهم. وقد تم دعم هذا الشعور الشخصي لديهم بنتائج علمية، حيث اثبتت الفحوص تحسن قدرة غالبيتهم على المشي في اعقاب العلاج، كما ان الالم في منطقة الرجلين قل بشكل كبير، اضافة الى ان قدرتهم على اداء المهام اليومية والتحرك في محيطهم القريب اصبحت افضل بكثير.
تم نشر هذه المعطيات في اطار النتائج المرحلية الاولى للتجارب السريرية التي تجريها الشركة.
كيف يتم الامر؟
قامت الشركة بتسجيل براءة اختراع لاسلوب تربية الخلايا الجذعية الماخوذة من المشيمة في جهاز خاص. تنمو الخلايا على متن حاملات صغيرة جدا، داخل سائل يتيح لها التكاثر في ظروف خاضعة للرقابة، وبشكل يشبه كثيرا الوضع الطبيعي في جسم الانسان. يتيح اسلوب التربية المذكور انتاج الخلايا بكميات كبيرة جدا، والتي يصبح بالامكان استخدامها لانتاج كميات تجارية من الادوية. في مثل هذه الحالة، يكون بامكان الخلايا الجذعية الماخوذة من مشيمة واحدة شفاء عدد كبير من المرضى.
يتم حقن الخلايا في جسم المريض – او داخل دورته الدموية – في المكان الذي يحتاج للعلاج. عمليا، تقوم الخلايا الجذعية المشيمية بتحفيز الجسم وتشجيعه على اشفاء نفسه، كما تحفز نمو الاوعية الدموية والانسجة مجددا، مما يحسن حالة المريض. لدى المرضى المصابين بالسكري، والذين تعرضت ارجلهم لاضرار كبيرة نتيجة تضيق الاوعية الدموية، تقوم الخلايا الجذعية الماخودة من المشيمة بتحفيز انتاج خلايا دم جديدة، تؤدي لتجدد تدفق الدم الى الرجلين، الامر الذي ينقذ المرضى من بتر الاطراف.
خطوة ثورية اخرى: الحقن لا يستدعي الملاءمة الجينية للمرضى
بالاضافة لواقع ان حقن الخلايا الجذعية المشيمية حسن اوضاع المرضى، سجلت الشركة المبتكرة لهذا العلاج انجازا ثوريا اخر، وذلك عندما نجحت باثبات انه بالامكان حقن الخلايا الجذعية النسيجية المتوسطة (خلايا اولية لم تمر بعد بعملية تصنيف ولم تتحول الى انسجة من مختلف الانواع) في جسم المريض دون الحاجة لاجراء ملاءمة وراثية بينها وبين جسم المتلقي (مثلما يتم عند البحث عن متبرع بالنخاع العظمي لدى مرضى السرطان). في هذا العلاج، بالامكان اخذ الخلايا من مصدر معين، وحقنها لاي شخص كان دون الخشية من رفض الجسم المستقبل لها.
في الواقع، فان المرحلة الاولى من التجارب السريرية كانت مخصصة لفحص مدى امن هذا العلاج. اما نتائج التجربة حتى الان، فقد اثبتت ان اي شخص من متلقي الحقن لم يظهر اية ردة فعل مناعية سلبية او رفضا للعلاج، على الرغم من انه لم يتم اجراء ملاءمة جينية وراثية.
يشكل هذا الاكتشاف قفزة نوعية لعالم الطب عامة على طريق انتاج علاجات "خلوية" لعدد كبير من الامراض، دون الحاجة لملاءمتها بشكل شخصي لكل مريض.
من اجل فهم معنى هذا الامر، حاولوا ان تتخيلوا حالة يكون بالامكان فيها بيع العلاج المصنوع من الخلايا الجذعية في الصيدلية لكل من يطلبه، تماما مثل المضادات الحيوية، التي تستدعي وجود وصفة طبية، لكنها لا تستدعي اية ملاءمة شخصية للمريض.
كيف يستخلصون الخلايا الجذعية من المشيمة ؟
تتوجه الشركة للسيدات اللاتي تم تحديد موعد ولادتهن سلفا – اي النساء اللاتي تم تحديد موعد الجراحة القيصرية لهن – وتحصل على موافقتهن على التبرع بالمشيمة. بعد الولادة مباشرة، تقوم الشركة باخذ المشيمة لتستخرج منها نوعا محددا من الخلايا الجذعية القادرة على دعم عملية ترميم نظم جسم الانسان، اي القادرة على انتاج الاوعية الدموية.
وقد اعلنت الشركة ان مستويات تجاوب النساء مع طلب الشركة منهن المشاركة في هذا البحث تعتبر مرتفعة جدا، حيث يتم اليوم جمع الخلايا الجذعية من المشيمات بوتيرة مرتين في الاسبوع، من مختلف المستشفيات.
لماذا المشيمة البشرية تحديدا؟
الحمل، هو الحالة الوحيدة في الطبيعة، التي يستطيع فيها جهازان مناعيان التعايش جنبا الى جنب وفي ذات الوقت، دون ان يرفض احدهما ال��خر. وبكلمات اخرى، يقوم جسم المراة خلال الحمل بخلق امكانية بيولوجية لنمو الجنين داخله، دون ان يقوم هو برفض الجنين ولفظه خارجا. من هنا بالذات، تنبع المميزات الخاصة التي تتمتع بها الخلايا الجذعية الماخوذة من المشيمة البشرية، والتي تساهم في شفاء وانتاج الاوعية الدموية.
ما هي مصير المشيمة