التواضع
الاستسلام للحق وتقبله من أي انسان
حينما تسمع أن فلانا متواضع أو فلانة متواضعة.. فأي احساس تحس به..!!
وأي شعور يخطر على بالك..!؟ انك لا تستطيع أن تعبّر عما في داخلك تجاه هذا الخلق الرفيع.. ولذلك فلا بد من معرفة معنى التواضع.
وللتواضع معنيان:
المعنى الأول: أن تستسلم للحق وتقبله من أي انسان جاءك منه هذا الحق.
فمن الناس من لا يقبل الحق، الا اذا كان ممن هو أكبر منه. فاذا كان الحق ممن هو أصغر أو أدنى منه مانة، فلا يقبله أبدا.. ولكن التواضع غير ذلك، فاستسلامك للحق وقبولك له يكون من أي انسان.. الفقير والغني، الشريف والوضيع، القوي والضعيف، العدو والصديق.. هل أنت منهم؟ هل تستسلم للحق وتقبله من أي انسان؟ قبل الاجابة عليك التركيز الشديد والتفكير في " أي انسان".
خفض الجناح
والمعنى الثاني للتواضع هو: أن تخفض جناحك للناس، ومعنى تخفض جناحك: أي تعامل الناس بلين ورقة أيّا كانوا… الخادم والمستخدم، الشريف والوضيع، الحقير والعظيم.. فهل تستطيع أن تعامل البشر، كل البشر بمنتهى العطف.. بمنتهى الرقة.. بمنتهى الحنان؟
مراجعة: عرفنا أن للتواضع معنيي:
الأول: الاستسلام للحق وقبوله من أي انسان.
اثاني: خفض الجناح للناس، ومعاملتهم معاملة رقيقة ودودة.
أظنك متواضعا، ولكن أترضى عن تواضعك..؟ أيرضى ربنا عن تواضعك..؟ اذن.. اجتهد وافهم المعنيين جيدا وحاول التطبيق والله معك.
أصل التعريفين
من المعروف أن عكس التواضع هو الكبر.. وحينما عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر قال:" الكبر بطر الحق، وغمط الناس" رواه مسلم 261 و الترمذي 1999. وبطر الحق معناه: ألا تقبل الحق، ومن هنا أخذنا المعنى الأول للتواضع.
وغمط الناس معناها: أن تأتي للبسطاء والفقراء وأنت شامخ عليهم بأنفك.. ترى لنفسك رفعة ومكانة، فلا تسلم على هذا ولا تتكلم مع هذا ولا تبتسم لهذا ( ومعناها ظلم الناس، وعدم اعطائهم حقهم) ومن هنا جاء معنى التواضع الثاني.
أما اتضح أمامك وضوح الشمس؟ لقد علمت أن مضاد التواضع هو الكبر، واعلم الآن أنك ان لم تكن متواضعا فأنت..!!
فضل التواضع
ما تواضع أحد لله الا رفعه الله
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما تواضع أحد لله الا رفعه الله" رواه مسلم 6535 والترمذي 2029 والامام أحمد 2386.. سبحان الله.. حديث تراه متحققا في حياتنا.. فانك ترى الانسان كلما تواضع كلما ازددت له حبا ( انه تواضع لله، فرفع الله مكانته وأعلى شأنه).
ويا سبحان الله.. العكس صحيح.. فكلما تكبر الانسان بغضه الناس، ونزلت مكانته عندهم.. أما تحب أن يرفع الله شأنك..!؟ أسمعك تقول: نعم، اذا عليك بالتواضع.
يا الله..! أعلى عليين؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من تواضع لله درجة رفعه الله درجة حتى يبلغ أعلى عليين، ومن تكبّر على الله درجة وضعه الله درجة حتى يبلغ أسفل سافلين" رواه الامام أحمد376.
يا لها من درجات للمؤمنين المتواضعين الناجين.. ويا لها من درجات للمتكبرين الهالكين.. اسأل نفسك في أي الفرقين أنت الآن!؟ وفي أي درجة!؟ ايّا كانت الاجابة.. ألست معي أنك محتاج لخلق التواضع..!!؟
فماذا تنتظر اذا.!؟
تواضعوا.. بالأمر!!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ان الله أوحى اليّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد" رواه أبو داود 4895 وابن ماجه 4179.
ان كنت تتكبر على خلق الله وتبغي عليهم.. وأنت غير راض عن فعلك وتريد اصلاح نفسك.. فعليك بالتواضع. أما يكفيك الأمر..!؟ عرفت فالزم.
الأرض أقرب طريق الى السماء
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى:" من تواضع لي هكذا" وظل النبي صلى الله عليه وسلم يشير بباطن كفه الى الآرض ويهوي به الى الأرض ( يقلون فظل يخفض يده للأرض حتى ادناها الى الأرض) " رفعته هكذا" رواه الامام أحمد 144 والهيثمي في مجمع الزوائد 882. وقلب ظهر كفه الى السماء حتى جعله في السماء.
سبحان الله.. كلما تواضعت لله أكثر في معاملاتك مع الناس كلما رفعك الله أكثر.. وانظر الى التشبيه.. والى كلمتي: الأرض والسماء.
وقفة: ان من تواضع الأرض أننا نمشي عليها بأقدامنا.. فاستحقت أن تسجد عليها جباهنا.. أي فضل هذا..؟
لا يدخل الجنة… اللهم سلم
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" رواه مسلم 263 وأبو داود 4091.
وهناك رواية أخرى:" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال خردل من كبر".
اسأل نفسك الآن.. هل في قلبك مثقال ذرة من كبير؟. انه حديث في غاية الأهمية، فيوم القيامة تأتي بصلاة وصيام وزكاة، وحج وأعمال صالحة و .. لكن فيك كبر فلا تدخل الجنة، فلا تكن كالعابد سيء الخلق.. وابدأ في التغيير.
أتنازع الله..!؟
يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي:" الكبرياء ردائي والعزة ازاري فمن نازعني فيهما عذبته" رواه الامام أحمد 2414.
تواضعوا لله ولا تنازعوه في كبريائه.. الا تحبون نعيم الجنة؟ ألا تخافون عذاب النار..!؟
اصغ لوصايا لقمان
يقول الله تعالى في وصايا لقمان لابنه:
{ ولا تصعّر خدك للناس ولا تمشي في الأرض مرحا} لقمان 18، فما معنى تصعّر؟
الصعر: مرض يصيب الابل، حين يصيبها، في رقبتها، فلا تستطيع أن تعيد رقبتها مرة أخرى، فتمشي هكذا ( تلوي رقبتها).
انظر الآن الى التشبيه القرآني البديع.. أشعر أنكم الآن تتخيلون المشهد كيف يكون.. س: ما احوال رقبتك!؟
نماذج للتطبيق
التواضع خلق الرسول
يقول الصحابة رضوان الله عليهم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم لا ينزع يده حتى ينوعها الذي يسلم عليه واذا سلم سلم بكليّته، ولا يصرف وجهه عنك، حتى تصرف أنت وجهك، وكان يجلس حيث انتهى به المجلسن وكان هاشا باشا، لا تلقاه الا مبتسما..
يا الله.. أين نحن من هذه الصفات.. انك تسلم على الناس بأقصى سرعة ممكنة، تقول:" اني مشغول".. فهل أنت مشغول أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم وهل تسلم على الناس وتتوجه اليهم بكل جسمك..أم أنك لا تسلم باليد، وأنت قلبا وقالبا في الناحية الأخرى لا تنظر اليه. وانك تحب أن تتصدر المجلس، وتلقى الناس بوجه مكفهر.. انك ان استطعت أن تفعل هذه الأشياء الأربعة كنت متواضعا.. واني لأعلم بأن منكم فيه واحدة، ومنكم فيه اثنان ومنكم..
أيها الأحبة: تعلموت من تواضع نبيكم..
يقول صلى الله عليه وسلم:" ان الله خيّرني أن أكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا فاخترت أن اكون عبدا نبيا" رواه الهندي في الحديث 32029 والزبيدي في اتحاف السادة المتقن 352 والهيثمي في مجمع الزوائد 882.
لقد اشتقنا لرؤية حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فهل اشتقتم اليه!!؟
هوّن عليك…!!
ومن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم: جاءه رجل يرتعد (يحسب أنه سيدخل على ملك من الملوك) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" هوّن عليك فاني لست بملك، انما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة" رواه ابن ماجه 3312 والحاكم 4466. والقديد هو اللحم المجفف، أي أنها كانت تأكل اللحم الناشف…
وهل دخل عليك أحد من قبل يخاف منك فقلت له: أنا ابن رجل فلاح بسيط؟.. انظر الى تواضع النبي صلى الله عليه وسلم. واياك أن تكون ممن يتكبرون على الناس وينتهزون الفرص.
أخشى ألا تفهم المقصود
ومن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يركب الحمار رواه الامام أحمد 1111 والهيثمي 920، مع قدرته على ركوب الخيل تواضعا لله.
في يوم خيبر، عاد النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر منتصرا على فرسه والكل في انتظاره، فلما وصل قال:" أين البغلة؟!" فنزل عن فرسه وركب البغلة تواضعا لله.
أرجوك افهم الكلام بمعناه الصحيح.. انني لا أقول هذا الكلام لتعيش حياتك كلها في ضيق وحزن وشقاء.. لا والله. انك ان فهمت هذا كان الوصول الى المريخ أقرب اليك من التواضع.. " عندك سيارة تذهب بها كل يوم الى عملك.. فتركب المواصلات تواضعك لله" وكل لبيب بالاشارة يفهم.
تعلموا يا أبناء القرن الواحد العشرين..!!
واليك هذا الموقف وانظر الى أي مدى كان النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا.. يقولون: كانت الجارية ( الأمة.. العبدة.. البنت الصغيرة) تأخذ بيده، فلا ينزع يده منها فتخرج الى المدينة تشتري حاجتها فيكون معها حتى تعود.
ما هذا..!؟ ان أخاك الصغير يقول لك: تعال معي اشتر شيئا فترد عليه قائلا (…) فيا أبناء الواحد والعشرين اقتدوا بنبيكم وكونوا متواضعين، فان من بفعل ذلك اليوم أصبحوا قلة.. فهل أنت منهم..!؟
يا الله.. جسد النبي يغطيه التراب!!
ومن تواضعه انظر يوم الخندق: الصحابة منهم من يحفر ومنهم من يكسر الأحجار.. وان الحفر والكسر أعمال نظيفة الى حد ما، فماذا كنت تفعل يا رسول الله؟
هل كان يشرف؟ هل كان يحفر؟ هل كان يكسر الأحجار؟ لقد كان يحمل التراب من الحفرة التي عمقها ثلاثة امتار على كتفه ويقول الصحابة: فوالله رأينا جسد النبي صلى الله عليه وسلم قد غطاه التراب.
أراك متعجبا تقول: وهل رأوا جسد النبي؟! نعم..( النبي كان يعمل بجد) ولكن انظر الى حالنا اليوم.. تراه يشرف ويتابع ولا يفعل شيئا. ولكن انظر الى النبي يختار أصعب عمل ويحمل التراب على كتفه صلى الله عليه وسلم! ار الله من نفسك قوة.. أر تواضعك… واذهب لوالدتك وعليك بغسل الأطباق وتنظيف الشقة و.. أما تحب أن يكون تواضعك عمليا..!؟
ليس لك حجة بعد اليوم..!! يتبع بحول الله تعالى
جزاك الله كل خير
وجعله بميزان حسناتك
مودتي
تسلم يمينك اخي الكريم موضوع رائع
باركك الرحمن وجزاك الله كل
الخيرواسال الله العظيم ان يوفقناواياك
لاتباع هديه وان يرزقنا مرافقته في
الفردوس الاعلى من الجنه