السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
لا تجد معظم النساء موضوعاً أكثر اثارة ومتعة عند الاجتماعات العائلية أو بين الصديقات من موضوع العمالة المنزلية ، فالأندونيسية تتميز بكذا ، والسيلانية بكذا وهذه فعلت كذا الخ ويمضي الليل يجرجر في ذيوله الحديث الممل المكرر دون جدوى ودون أن يلمس الجراح الفعلية وكأن هؤلاء النسوة لا يشعرن فعلاً بحجم المشكلة التي تكاد تتواجد في كل منزل سعودي تقريباً ، وأقصد بها تحديداً العلاقة ما بين الأبناء وعلى الأخص الصغار منهم مع العمالة المنزلية التي أعطيت تدريجياً ودون خيار منها دون وعي من الأهل بكافة المسئوليات التربوية ذات العلاقة بالتنشئة الشخصية والاجتماعية للأبناء .
وحتى أكون واضحة مع القاريء فأنا شخصياً لست ضد العمالة المنزلية أبداً ولأكون أكثر وضوحاً فلا أظن أنني أستطيع ادارة حياتي الشخصية والعلمية دون وجود هذه المساعدة التي تضمن تنفيذ الاحتياجات المنزلية اليومية دون أن أضطر لوضع يدي فيها بشكل مستمر ، لكن المسألة ليست هذه ، إذ أن العمالة أساساً وبعد الاختفاء التدريجي لنظام الأسرة الممتدة جاءت للمساعدة في مثل هذه الأمور ، أقصد أن العائلة السعودية ومع تحسن المستويات الاقتصادية وارتفاع التوقعات في الحياة المدنية وتعقدها " كبر حجم البيوت ونوعية الأثاث ، ونوعية المناسبات الاجتماعية والتوقعات والتعقديات التي دخلت عليها الخ . عمل المرأة " ورخص الأجور وسهولة الاجراءات الادارية وكلها عوامل ساعدت على انتشار ظاهرة العمالة المنزلية التي تلخص دورها مبدئياً في مساعدة ربة البيت على أداء أعمالها التي لا تنتهي من تنظيف وغسيل وطبخ ، وتدريجياً بدا ان الأمر مريح حين يتم اسناد بعض الأمور الأخرى لها كالاشراف على الأطفال أو تأكيلهم أو رعايتهم ثم تدريجياً تسلل الشعور بالراحة والرغبة في مزيد من أوقات الراحة ليشمل كافة الأمور ذات العلاقة بالطفل من مأكل وملبس ونوم وخلافه إلى الدرجة التي تنازلت فيها الكثير من الأمهات طواعية عن كافة الواجبات ذات العلاقة بالأبناء دون وعي بالآثار المدمرة لهذه المسألة .
وتتلخص هذه الآثار مبدئياً في التأثير على التنشئة الاجتماعية للطفل التي يقصد بها بعد التبسيط الشديد لهذا المفهوم تحويل هذا الكائن الحي الذي نسميه في ثقافتنا المحلية (( لحم عند ولادته )) أي مجرد كائن بيولوجي يحتاج أول ما يحتاج إلى اشباع احتياجاته الأساسية من مأكل وملبس وشعور بالدفء وتدريجياً الأمان إلى كائن اجتماعي راشد ومتوازن يؤدي ماهو متوقع منه ويستوعب قيم ومعتقدات وأنماط سلوك مجتمعه .
كيف يكون هذا التأثير وما هي آثاره ؟
لندرك حجم هذا التأثير لابد من تعريف سريع باحتياجات الطفل الأساسية وهي :
– الحاجات الفسيولوجية مثل الحاجة إلى الطعام والملبس والسكن والعلاج .
– الحاجات النفسية مثل الحاجة إلى الأمن والحاجة إلى التقبل والحاجة إلى تأكيد الذات .
– الحاجات الاجتماعية مثل الحاجة إلى التقدير الاجتماعي والحاجة إلى سلطة ضابطة وموجهة والحاجة إلى التفاعل لتعلم أنماط السلوك الاجتماعي .
– الحاجات العقلية مثل الحاجة إلى البحث والاستطلاع والمرتبطة أساساً بالنمو الجسمي والحركي للطفل (( القفز ، محاولات التسلق والاكتشاف .. الخ )) الحاجة إلى المعرفة وتنمية القدرة على فهم العالم الخارجي ، الحاجة لتعلم اللغة ودور ذلك في النمو العقلي والاجتماعي للطفل .
الســـــــــــؤال :
ما الذي تداخل في محاولتنا لإشباع الحاجات الأساسية لأطفالنا ؟ لنتابع الاجابة ، دعونا نتناول الحاجات واحدة واحدة .
-الحاجات الفسيولوجية :
كما نعرف جميعاً فهذه الاحتياجات أساسية لبقاء الطفل (( الحاجة للطعام ، السكن ، الخ )) لكن بالطبع فاشباعنا لهذه الحاجات لا يبقى فقط في السياق البيولوجي وحده وانما يتجاوز ذلك ليشمل السياق السيكولوجي إذ أي رعاية بدنية تتضمن بالضرورة الجانب النفسي كما تتضمن الجانب الأخلاقي ، ولنأخذ الحاجة إلى الغذاء على سبيل المثال باعتبارها متطلباً متكرراً فالطفل وهو يأكل يتبادل الحديث فيتعلم اللغة ، كما يتعلم آداب الأكل وقواعده وهو فرصة للتفاعل الاجتماعي والعاطفي فكيف يتحقق ذلك إذا غابت الأم عن هذا الدور باستمرار ؟ ماذا يحدث للقواعد العاطفية والسلوكية التي تحاول العائلة وتحديداً الأم تعليمها للطفل وهل ستتمكن العاملة المنزلية وتحت ضغط احتياجات عمل المنزل والوجبات الكثيرة المتوقعة منها أن تعطي الطفل حقه في لحظة رضاعة كاملة دافئة أو في حال من هم أكبر سناً أن تتبادل الحديث أو النكتة أو الحكاية الشعبية أو الأهازيج التراثية وهو ما يحفظ تراث الأمم ويوجد الرابطة الثقافية والعقلية للأبناء مع أرضهم وتراثهم أو القدرة على فرض أنماط سلوكية محددة في الأكل أو أنواعه مثل البدء بالتسمية أو الحمد لله وغيره كثير مما تؤديه الأمهات والآباء بشكل تلقائي فكيف لم نع اختفاء هذا الدور ؟
ويؤدي اشباع الحاجات الفسيولوجية إلى الكثير من التفاعل اللفظي بين الأم والطفل حيث يعتبر سماع المثيرات اللغوية من الحاجات الأساسية للطفل فبدون ذلك يصبح عقله في حالة من الحرمان كما يؤدي إلى احداث أضرار بقدراته المعرفية في الوقت الذي يكون مهيئاً من الناحية الفسيولوجية لتعلم مهارة الكلام . وقد أشار د. قنطار في كتابه (( الأمومة : نمو العلاقة بين الأم والطفل )) من منشورات عالم المعرفة / الكويت : بأن التبادل الكلامي يمثل مكاناً بارزاً بين الأم والطفل أثناء تبادل الوجبات وهي التي تقوم بتصحيح أخطاء الطفل وتشجيعه عندما يبدأ الكلام والأمر نفسه ينطبق على الأب بحجم الأهمية القصوى لعلاقته بأبنائه ، لكن كم من الآباء أو الأمهات ممن مازالوا يحافظون على هذا الدور مقابل من آثروا الراحة وسلموا تأكيل الأطفال برمته للعاملة المنزلية .
ونفس الأمر ينطبق على النمو الحركي للطفل الذي يكون شغوفاً بالاكتشاف وطرح الأسئلة عما حوله فاللعب مثلاً ليس لهواً فقط انه عملية مركبة من الخبرات المتراكمة التي يكتشفها الطفل بخلاف تمرين عضلاته الصغرى والكبرى ، لكن من معه ؟ الخادمة التي يتلخص دورها في حماية الطفل من السقوط أو الخروج من أماكن اللعب . لكن من يشجع الطفل على التجريب ويعزز ثقته في مزيد من الاكتشاف ويجب على أسئلته البسيطة التي تخفي في جوهرها حباً عميقاً للمعرفة يمكن أن يتجذر إلى مفاهيم علمية ورياضية متى وجد الأرضية المناسبة .
– الحاجات العاطفية والنفسية :
تشير الكثير من الدراسات إلى أن تعلق الأم بأطفالها يجعلهم أكثر ايجابية وأقل اعتمادية وأقل عدواناً وأكثر حماساً وعطفاً علاوة على أن نمو الذات القادرة على القيام بوظائف التنسيق الحياتية يعتمد على ما تخلفه الأم في نفس الطفل من أشياء مطمئنة بل أن بعض الدراسات النفسية أشارت إلى أن الطفل الذي لم يحظ بتدليل الأم وعطفها يظهر اضطرابات في السلوك (( دراسات انا فرويد )) بل دلت بعض الدراسات التي أجريت حول الشخصية وتمت على الأطفال ذوي النمو غير الصحي بأن هناك علاقة بين تمزق الشخصية لدى الطفل وبين الاضطرابات العميقة في تواصل الطفل مع أمه فأمهات هؤلاء الأطفال لم يكن قادرات على اقامة تواصل حقيق مع أطفالهن منذ الولادة وعلى مدى الأشهر التي تلتها مما أدى لصعوبات جمة واجهها هؤلاء الأطفال في مفهومهم للتواصل مع الآخرين ومع أمهاتهم كما احتفظوا برؤية مفككة عن العالم وعن أنفسهم بالذات . من هذا المنطلق تظهر أهمية التفاعل العاطفي بين الأم وطلفها الذي تتجلى مظاهره في التفاعل اللفظي والجسدي ، في الابتسامة ، في كلمة التشجيع .. الخ . فإذا ترك الطفل مع العاملة فمن يلبي هذه الاحتياجات والأبوان غائبان ؟
من يفسر للطفل المتناقضات من حوله ويقدم له شعوراً دائماً بالاستمرارية والأمان ؟ ثم ماذا عن اختفاء العاملة من حياة الطفل بعد سنتين أو ثلاث من تعوده عليها ؟ إنه لا يفهم أن عقدها انتهى وانتهت بذلك علاقتها بالأسرة ، هي بالنسبة له احدى من سهروا عليه ورعوه فأين ذهبت ؟ وهل يعني هذا احتمالات اختفاء الآخرين الذين يرعونه من أم أو أب ؟ أسئلة يثيرها الطفل في داخله وتولد القلق والأمراض العصبية دون وعي منه أو منا .
– الحاجات المعرفية :
يعتمد النمو العقلي للطفل على حجم المثيرات الثقافية والمعرفية المحيطة به وذلك لشحذ رغبته في السؤال وتنمية مدركاته حول الأشياء ، ودون الدخول في مراحل النمو المعرفي التي يعد بياجيه أشهر من كتب حولها التي تشبع رغبة الطفل الفطرية في التساؤل والبحث ، يعد وجود الوالدين أساسياً لتنظيم عالم الطفل واثارته ولنأخذ مثلا بسيطاً فحين تخرج الأم أو الأب إلى ساحة المنزل وسواء وجدت حديقة صغيرة أو كبيرة أو حتى حوض نباتات فحديثهما مع طفلهما حول الأشجار واختلاف الأوراق ، أشكالها ، أحجامها ودور التربة أو الشمس وقدرة الخالق ، كلها أحاديث عابرة لكنها هي ما يشكل مفاهيم الطفل وينمي وعيه بالعالم كما أن الأم أو الأب هو من سيدفع الطفل للمحاولة والخطأ ويشجعه على التجريب (( في البر مثلاً ، في مراكز الألعاب .. الخ )) وهو ما ينمي القدرات المعرفية .
من ذلك كله تتشكل البنية الاجتماعية للطفل وتتشكل مباديء تنشئته الاجتماعية التي يتضح مدى الخلل الهائل الذي أصابها بفعل متغيرات الرخاء الاقتصادي والتنمية الاجتماعية فما العمل ؟
ليست هناك وصفات جاهزة تصلح للانطباق على كل أسرة ، إذ كل منا فريد في تكوينه وظروفه ورؤيته للعالم من حوله ، لكن بعض الخطوط العامة قد تساهم في توضيح الصورة ومساعدة الأهالي على تجاوز بعض هذه الصعوبات وهي :
– عدم الخلط في الأدوار ، فالعمالة المنزلية قصد بها مبدئياً مساعدة أفراد الأسرة وبخاصة الأمهات على تحمل أعباء البيوت الحديثة بكبرها وأثاثها وتحمل تبعات بعض مفاهيم الحياة القبلية التي تداخلت مع طبيعة الحياة المدنية ، مثلا كثرة الولائم وبخاصة في بعض المناطق التي مازالت تعتبر الولائم المتكررة تقليداً لا يمكن التغلب عليه اجتماعياً مع ما يحمله على كاهل الأسرة من أعباء مادية ومعنوية هائلة وما تتطلبه اليوم من تفاصيل شكلية ومظهرية لم تكن مطلوبة سابقاً مما يعني أعباء أكثر . ويعني عدم الخلط هذا أن تبقى وظيفة العاملة المنزلية ما أمكن في حدود وظيفتها في مجال العمل المنزلي اليدوي دون أن تمتد لتكون مسؤولة بشكل كامل عن الأطفال كما نرى اليوم .
– ألا تقبل الأمهات أو الآباء بالتنازل عن أدوارهم مع أطفالهم ، لقد أرسل الله الأطفال للحفاظ على الخليقة في استمرارها لكنه منحنا القدرة على الاستمتاع بهم ، قال تعالى ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) وهم حقاً كذلك فلماذا نتنازل عن لحظات طفولتهم لنمنحها لآخرين لا علاقة لهم بها ، ان الكثير من الآباء والأمهات الذين تخطى أبناؤهم سن الطفولة وغادروها للدراسة أو لبدء حياة مستقلة يتحسرون على كل لحظة مضت دون أن يجلسوا مع أبنائهم ودون أن يدركوا كم تبدو هذه اللحظات غالية وثمينة دون أن يتمكنوا من استرجاعها .
– اقناع أنفسنا ككبار بأهمية تنظيم وقتنا وتخصيص ما يستحقه الأطفال من هذا الوقت فنحن مطحونون وملاحقون بضغط العمل والواجبات الاجتماعية والأصدقاء والسوق والاستراحات .. الخ . فما الذي تبقى لمن نركض من أجلهم ؟
.
يسلمو حبيتى الله يعطيكي العافية قلبو
اشكرك على المجهود الرائع والمميز
موفقة باذن الله حبيتى دائم ابداعك
ولا حرمنا الله جديدك
تحيتى
تسلمين مريومة
ربي يلطف بيهم
لا حرمنا مجهودك غاليتي
مودتي علي الطرح الرائع
قعدَ , آليوم كلوَ آقرآ في مآ بخلص
يسسسسسسسسسَلموَ , لـ طرَحك ٌلررآئع
إٌرقَ تحيةَ
يسلمو مريم على الطرح والمعلومات الروعه
طرح جدا رائع ومفيد
بارك الله فيك حبيبتي كل الود |
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يعطيك العافيه مريم
بحث شامل ومعلومات مهمة عن تأثر الاطفال بالعمالة المنزلية والخدم
تحيه وشكر